جدّدت منظمة العمل الشيوعي نفسها بهوية جديدة تحت مسمى “منظمة العمل الديمقراطي العلماني”. كانت منظمة العمل نفسها قد تشكلت في العام 1976 من منظمات تمتد جذورها الى حركة القوميين العرب التي تحولت الى الماركسية-اللينينية عقب هزيمة العام 1967. وانضمت إليها فرق منشقة عن حزب البعث والحزب الشيوعي اللبناني. ظهرت المنظمة الجديدة بعد مؤتمرها الخامس الذي تبنى الاسم الجديد، في عام 2022 (لا في عام 2202 كما هو مذكور خطأً مطبعياً على الغلاف).
الهوية المُعبّر عنها بالاسم الجديد للمنظمة ليست ماركسية ولا ليبرالية بل ديمقراطية. فيها إشارة الى أنها تعتبر الاشتراكية أعلى مراحل الديمقراطية. المنظمة الجديدة “تنظيم ناشط ضمن الخيار الاشتراكي اليساري.. على أنها خيار يحدد غاية التطوّر للتطوّر البشري”. الخيار الاشتراكي “رداً على إشكالية تطوّر الديمقراطية المعاكسة لليبرالية، وليس انبعاثاً لفلسفة مثالية” (ص 23). “تطوّر المجتمعات المسماة متقدمة استغرق قرونا وصراعات دامية ولا يمكن اختزاله وفق ترسيمة اقتصادية لا نرى منها إلا الانتقال من نمط انتاج الى نمط آخر…” (ص 25). وخلصت الى أن الماركسية وحتمياتها “من الفكرة الى الحركة الى الثورة الى الدولة لم يحكم لها التاريخ بالنجاح، بل حكم بالفشل.. وأن الهوية الشيوعية لم تعد تصلح وجهاً للاشتراكية المتجددة التي نسعى الى اشتقاق مفاهيمها وصوغ برنامجها”.
لا بدّ من التوقف عند هذا الكلام. هل هو يعبر عن انتهازية عميقة ناجمة عن أخلاقية ظاهرة، يموهها الحديث عن ممارسة نقدية؟ هل الانتهازية وليدة تجريبية تتعلّق بالأفكار والايديولوجيات، تنتقي منها ما نجح عن الآخرين فتطبقه عندنا؟ فنتحوّل ونحوّل معنا أتباعنا من قومية عربية مغالية الى ماركسية منشودة، والى ديمقراطية هلامية. أم هي بحث في عمق الذات، عمق مجتمعاتنا؟ فنستعين بالعلوم الاجتماعية وغيرها من أجل تشكيل وعي منبثق من حاجاتنا يكون مرشداً للعمل والممارسة. العمل النظري شاق وعسير. يتطلّب معرفة بالعالم والتزاماً بالإنسان وغوصاً في المجتمع وإبداع أفكار مناسبة. نغيّر الايديولوجيا التي نعتنق وكأنها دين لنا. وننتقل من دين الى دين حسب العلاقة مع السلطة السياسية أو المعرفية، دون أن تكون الايديولوجيا القديمة أو الجديدة منغرزة في مجتمعنا وحاجاته. كنا مع القومية العربية على الطريقة الناصرية، وانتهى بنا الأمر الى هزيمة 1976. صرنا مع “ماركسية تعتمد التحليل الملموس لواقع ملموس”. ولم ننتج تحليلاً نظرياً واحداً واقعياً. إذ حملتنا الايديولوجيا المحيطة بتلك الماركسية الى قيادة وخوض حرب أهلية لبنانية لم نشف من نتائجها بعد. كنا في قيادة الجزء من لبنان الذي خاض من موقعه الماركسي تحالفاً مع “المقاومة الفلسطينية”، ولم نبحث في علاقة هذا بذاك. ولا في مؤديات “التحرر الوطني” الذي اعتبرناه مقاومة فلسطينية. وحمّلنا الماركسية التي لم نفهمها تبعات الفشل في ممارسة الحرب الأهلية. ليس في عدم النصر في الحرب الأهلية بل في حدوث الحرب الأهلية. خضنا حرباً أهلية ما كانت النتائج فيها، كما الممارسات، لتختلف عما كان عند الطرف المضاد. بنية نظرية واحدة تتوزّع على الطرفين. عقيدة واحدة ذات وجهين.
تتوجه الوثيقة بالملامة الى حزب الله فيما يتعلق بما آل إليه الأمر بلبنان. ذلك أن حزب الله حتى الآن هو الفريق الأقوى والأقدر على التحكّم بالدولة ومفاصلها. ألم نكن نحن بحركتنا الوطنية في وضعية مشابهة خلال الحرب الأهلية؟ على الأقل في هذا الجزء من لبنان. ألم تحاول الحركة الوطنية فرض “إدارة مدنية” بما يشكّل دولة موازية كالتي يقيمها حزب الله الآن؟ ألا تتسابقون أنتم وحزب الله على فكرة “المقاومة”، وعلى تكرار التجربة بأسماء أخرى، لكن مع الحفاظ على تعبير المقاومة لتأكيد الصلة الذهنية بأحمد الشقيري؟ وهو كان تخلى عنها لو عرف مؤداها.
يُعزى الى كارل ماركس قوله في أواخر حياته “أنا لست ماركسياً”. وفي حديث للنبي محمد أنه قال “أنتم أعلم بشؤون دنياكم”. ويقول مظفر النواب مخاطباً الإمام علي، أمير المؤمنين، “لو جئت اليوم لأنكرك الداعون إليك وسموك شيوعياً”؛ وهذا عندما كان للشيوعية شأن كبير في سبعينيات القرن الماضي. أما شكّل أهل الحديث والفقه والأخبار أكواماً من الحديث (من البخاري عند السنة والكليني عند الشيعة، وما بعدهما، وما قبلهما) لإغراق النص القرآني في شؤونهم وزمانهم؟ ألم ينزع بعض الفقهاء الى القول بالحديث ينسخ القرآن، كما نُسِخ بعض من القرآن بآيات أخرى؟ والآيات شيطانية ليس بما أنزلت بل ما درج عليه المفسرون. والكثرة منهم ادعوا للنبي عصمة أعلنها بعض آخر للإمام علي وللأئمة من بعده. وإذا بالعصمة تنتقل لولاية الفقيه تبعاً لمقتضيات الدولة الصفوية وصولا الى الإمامين الخميني والخامنئي. ألم تتسلل العصمة لبعض الأئمة الصغار في لبنان كما تسللت “علمية” الماركسية إليكم في زمانكم الماركسي، وادعى كل “غورو” في الحركة الوطنية العصمة كما يدعيها الآن من خلفهم؟ وهل البنية الفكرية لحزب الله الآن سوى استمرار لبنية فكرية وضعها أئمة الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية؟ ألا تتسابقون الآن إلى ادعاء شرف ممارسة “المقاومة” قبل غيركم؟ دون نقد وتعديل الفكرة ذاتها؟ ودون البحث في أشكال المقاومة غير التي عرفناها. المقاومة ليست حصرية لا في لبنان ولا غيره. المقاومة الحقيقية هي شعوبنا العربية في إخضاعها للثورة المضادة والرجعية العربية التي أرعبها شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”.
لقد أدرجت المنظمة “النص الماركسي ضمن تراث الحركة الاشتراكية العام، رافضة إعدام المارسكية أو التنكر لها….” (ص 26)، وذلك على ضوء أن الماركسية وحتمياتها من الفكرة الى الثورة الى الدولة وحتمياتها لم يحكم لها التاريخ بالنجاح بل حكم عليها بالفشل” (ص 27). “الخيار الاشتراكي ليس لدينا عبارة عن ترسيمة وبديهيات تقوم على قوانين جامدة. الخيار الاشتراكي-اليساري لدينا يتأسس على موقع اجتماعي-طبقي معيّن يلحظ المتغيرات التي يشهدها عالم الاقتصاد ومقولاته….” (ص 28). نستنتج هنا أن التحليل يقوم على ملاحظة اقتصاد العالم وتطوراته. ونرى النص يذهب الى أن الخيار الاشتراكي ليس مجرد مبادىء أخلاقية من الماضي معلقة بهواء عهد ذهبي غابر، بل إعادة الاعتبار الأساسي لهذا الخيار بالمعنى العلمي والسياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي. تغيّرت زينة الرداء الجديد، فربط التحليل الاقتصادي بعدة جوانب في المجتمع… وذلك “نحو اشتراكية حمالة أوجه….” (ص 28). مرة أخرى ينفذ النقد الى قلب المنظمة والعاملين فيها، لا الى عقول العاملين بهم لنقد أفكارهم وطريقة عملهم، بل يبقى النقد على السطح ينتقد الأفكار عند غيرهم، سواء ماركسية أو غير ماركسية، التي تبناها. ليس الأمر نضال كوادر يحلمون بتغيير المستقبل، بالأحرى صناعة المستقبل، وحمل هموم شعوبهم والتعبير عنها نضاليا، بل هي ممارسة يختار أصحابها هذا الرداء من الخزانة القومية العربية، أو الماركسية اللينينية بعدها، أو الديمقراطية (الليبرالية) التي تقود الى الاشتراكية بعدها. ليس التفكير هنا نابعاً من تفاعلات داخلية ومعاناة نفسية وعلاقات تعلّم وتعليم من جمهور الناس، بل هي تتابع أزياء فكرية واختيار منها ما يناسب كل مرحلة، لا ما يعبّر عن أعماق الذات.
ثم تعلن المنظمة (ص 29) أنه “انطلاقا من الاعتقاد أن الاشتراكية هي أعلى درجات الديمقراطية” وعليه (ص31) فالديمقراطية كما تراها المنظمة كهوية تستطيع دون سواها أن ترسم الخط البياني الفاصل بين إنصاف التراث، بما يملكه من مخزون تاريخي للشعوب وثقافاتها وحضاراتها وتجاربها، أو التنكّر لهذا التراث والسعي لإلغائه كما ينادي البعض. لا ندري أي تراث هو المعني هنا: أهو تراث المنظمة أو الجماعات الماركسية أو هو تراث المجتمعات بشكل عام؟ وعليه (ص32) “فإن المنظمة على صعيد فكرها التنظيمي الذي سارت عليه ردحاً من الزمن تحت سمة المركزية الديمقراطية تحقيقاً لما كرسته الماركسية-اللينينية….” لا بدّ وأن هذه الديمقراطية المركزية أدت الى مشاكل داخل المنظمة وبينها وبين جمهورها. هذا لم يرد ذكره كي يجري انتقاد التجربة. دائما نعرف الرداء الايديولوجي للمنظمة ولا نعرف آليات عملها. الأرجح أن “قواعد” هذا الرداء لم تستخدم في حينه لأن أصحابه لم يكن لديهم الوقت لاستخدامه بسبب انشغالاتهم النضالية؛ بل بسبب تقديم أولوية النضال والممارسة على البحث النظري. لم تكن الماركسية يوماً أداة نضال بمقدار ما كانت أداة تفكير لتبيان تناقضات الرأسمالية. اعتبروا أن الوصفة كانت جاهزة، وهي لم تكن كذلك؛ ولم يكن المقصود منها أن تكون كذلك، واعتبروا أساليب النضال مع ما اعتبروه وصفة جاهزة للعمل منقولة من هنا وهناك.
تبنت المنظمة المنظور العلماني في علاج “النظام السياسي” بوصفه علة العلل. يقولون بعد ذلك لا بدّ من “قرن العلمانية بالديمقراطية” بتأكيد مطلب فصل الدين عن الدولة. لا يعالجون الدين في المجتمع كيف استشرى وصار يشمل جميع جوانب الحياة، بما في ذلك المقدس والحلال الذي ضيّق على المجتمع، بعد أن توسّع واحتل جميع قطاعاته، وضيّق على المظاهر والممارسات العلمانية. لم يعد مفيداً فصل الدين عن الدولة، بل حصر الدين في زاوية من المجتمع، وفي زوايا لا تؤثر على السير العام للمجتمع. المطلوب ليس الفصل بينهما وحسب، بل إخضاع الدين للدولة. لم يعد أحد في المجتمع يكترث لما هو في غير الدين وصارت المهمة التقدمية قلب الموازين وحصر الدين في قطاع من المجتمع، وإخضاعه للدولة، بما في ذلك الجماعات الدينية والطائفية التي تطالب الجميع بالخضوع لاعتبارات الدين، بالأحرى اعتبارات رجال الدين، وإخضاع مجمل الحياة لهم. نحن في مواجهة مع هذا الدين الأصولي ولم يعد شعار فصل الدين عن الدولة فعالاً. ما هو أكثر فعالية هو إخضاع الدين للسياسة بعد تقليص مجاله. وهذا النضال لن يكون سهلاً لا بالممارسة ولا بالمحاججة الفكرية. يطالب هؤلاء العلمانيون “بفتح البلد لأنوار التحديث”. نحن هنا إذ نناضل من أجل الحداثة نناضل ضد السلطة الدينية والمجتمع الذي يخضع عن رضى. لا بد من خوض نقاشات دينية. فالدين الصحيح هو صحيح فقط بالنسبة للذين يمارسونه، وتعدد الفرق والمذاهب الإسلامية دليل أن الدين الصحيح ليس له مقياس أو معيار يجري الحكم عليه بموجبنا. لكن الذي لا شك فيه هو أن المعيار ليس في يد أحد؛ والجماعات الدينية كلها صحيحة لأصحابها أو غير صحيحة لغيرهم. الدين أولا إيمان. وهذه علاقة مباشرة بين الفرد وخالقه. كل الطقوس هي للبرهان على صحة الإيمان، وهذا الأمر لا برهان عليه. حرية ممارسة الطقوس يجب أن تترك لكل فرد يمارسها كما يريد في أوقات وأمكنة محددة لها. وهي البيوت والمساجد، لا في الجامعات والأماكن العامة. ومحاولة فرض مصليات على الجامعات يدخل في باب الاستفزاز والتحدي. فكأن هؤلاء المطالبين بالمصليات في الجامعات يمتلكون الدين الصحيح، وأن مذهبهم هو الحق دون غيرهم من الفرق الإسلامية الأخرى. العلمانية والتواضع الديني تتطلبان منع المصليات في الأماكن العامة وحصرها في المساجد والبيوت فقط.
يشير التقرير الى ثورة 2011 مسميا اياها الربيع العربي “أن شعارات التقدم والديمقراطية والكرامة والعدالة الإنسانية والحريات التي رفعتها انتفاضات الربيع العربي الناجمة عن حالة اختناق جراء انعدام الحياة السياسية وتراكم أزماتها، افتقدت لوجود قوى يسارية فاعلة” (ص 24). يتحدث التقرير عن الربيع العربي وكأنه مظاهرة ترفع شعارات وما رآها ثورة تواجه الأنظمة العربية في وقت واحد من المحيط الى المحيط “طالبة إسقاط النظام”. هذا المطلب وضع الثورة في مواجهة المنظومة العربية الحاكمة، وهي تعبير عن اتجاه مخالف لما عداه. هذا المطلب تعبير عن الاتجاه نحو الداخل، وليس استدراج معارك مع الخارج للإيهام أن الخارج مؤامرة وأن التحرر الوطني مهدد دائماً بالمؤامرات الخارجية مما انتهى الى ديكتاتوريات حيث نجح التحرر الوطني في تحقيق الاستقلال ثم تحويل الاستقلال الى استبداد يحكمه قادة ادعوا زعامة حروب التحرر الوطني. فالتحرر الوطني نقيض الحريات في الداخل حيث تنعدم السياسة. يتحوّل رعايا الاستبداد الى مواطني الدولة مع سقوط الأنظمة.
يقود هذا الى أن الشعوب العربية تريد التركيز على القضايا الداخلية في كل قطر عربي وبناء الدولة المناسبة في كل مكان وممارسة السياسة بحرية فتصير الدولة وعاء لمواطنين لا لرعايا، ويكون للمواطنين حق بل واجب المشاركة في قرارات الدولة. التركيز على الداخل لبناء مجتمعات متماسكة بالعمل والإنتاج لا الاعتماد على الاستيراد لتأمين الاحتياجات الغذائية والعسكرية من الخارج. البلد الذي يعتمد على استيراد المواد أو تقنياتها يبقى فقيراً ومحكوماً للتبعية لمن يصدر إليه. هذه هي المقاومة الحقيقية التي تُزَجُّ بها كل قوى المجتمع. لا المقاومة المحصورة في هذا القطر أو ذاك، والمحتكرة من هذا الفريق أو ذاك. لقد استبدل النظام الإيراني العروبة بالمقاومة، كي يكون هناك وفاء للمقاومة وإبتعاد عن العروبة أو نسيان لها. يعرفون أهمية فلسطين بالنسبة للعرب ويريدون لهم أن ينسونها أو ينسون أهميتها. ايران وجماعتها في المنطقة هم بنظرهم من يتولون قضية فلسطين مع التركيز على أولوية القدس. “يتطلّب الأمر زج جميع قوى المجتمع في المقاومة وسحبها لفتح كهوف البلد لأنوار التحديث” (ص 38).
في ما يتعلّق بالوضع العربي، يتحدث التقرير عن “مصر وغياب الدور” نتيجة “التحديات المتداخلة” من القوى المحيطة بها خاصة ما يتعلّق بسد النهضة الأثيوبي الذي يصيبها هي والسودان التي ما زالت تخضع للعقوبات، وتعقيدات الوضع الليبي، ومواجهة الامبراطورية الأميركية.
وفي العراق لا يزال مشروع إعادة بناء الدولة يخضع لتجاذبات الصراع بين كل من إيران والولايات المتحدة، كما بين مكوناته “التي أعادت إدارة الاحتلال الأميركية تشكيلها وتحديد انقساماتها على نحو طائفي” (ص 53(. التقدم الذي أحرز ما زال يتعرّض “لممارسات الحرس الثوري الإيراني”… بقوة الاغتيالات والتفجيرات والفوضى الأهلية في حال إقصاء قوى الحشد الشعبي المهزومة عن الحكومة ومؤسسات الدولة والإدارة.. “وذلك لاستمرار انضواء العراق تحت العباءة الإيرانية…. إن خسارة الموقع والدور المصري والعراقي أصاب المنطقة العربية بالصميم” (ص 55).
وفي المسألة السورية احتلالات أميركية وإيرانية وروسية وتركية، “آلة الحرب المتعددة الهويات والجنسيات الذي دفع ثمنه المواطنون السوريون ألوفاً مؤلفة من الشهداء والسجناء والمفقودين والجرحى والمعوقين، بالإضافة الى نزوح وتهجير نصف سكان البلد…. لكن كارثة الدمار التي ترزح تحت أثقالها البلاد تظل أهون من ما أصاب بنية المجتمع السوري من نتيجة التلاعب والتغيير الديمغرافي، وجراء التهجير القسري للمواطنين مما سمى “سوريا المفيدة”، وتجنيس وإحلال أقليات طائفية متنوعة الجنسيات في المدن والبلدان السورية القديمة التقليدية” (ص 57). مع الإشارة الى الدور الإسرائيلي في قائمة البلدان المتدخلة… مما يعني أن العدو الصهيوني بات لاعباً رئيسيا في تطوّر الأحداث (ص 59). “مما يعني أن النظام المسترهن لتغطية حماته بينما يتوهّم الانتصار على شعبه” (ص 59)… الطابع الأقلوي… للنظام لم يتبدل مع استمرار غلبة المنحى الميليشيوي المخابراتي (ص 60). والأخطر من ذلك استغلال النظام بقواه وأجهزته المتفرعة قضية إعادة اللاجئين والنازحين السوريين للاستثمار فيها وفق ما يخدم مصالحه وسيطرته من دون السماح بعودتهم الى بلادهم (ص 60).
في “القضية الفلسطينية” يعبّر برنامج المنظمة عن “موقع يعي أهمية الصمود والصراع الوجودي الذي يخوضه الشعب الفلسطيني على أرضه في سبيل تقرير مصيره واستعادة حقوقه وبناء دولته الوطنية المستقلة. كما يدرك أن نضال هذا الشعب وقواه الحية يشكل خط الدفاع الأول عن الدواخل العربية، وأنه يستحق كل أشكال الدعم والتأييد الدائم لصموده ولقراره الوطني المستقل”. يوحي الأمر أنه يعترف بفلسطين كما هو منصوص في حل الدولتين. وهو لا يقترح دولة واحدة عربية-يهودية ديمقراطية، وما عاد يطرح تحرير فلسطين كاملة. غير أن حل الدولتين الذي يقرع به أطراف النزاع ما زال ناقص التطبيق بسبب سياسة اسرائيل. فتر حديث اليسار العربي عن تحرير فلسطين أو اختفى، لكن “بقاء الفصائل والتنظيمات الفلسطينية على موروثها وعدم مراجعته، ووضع تصورات جديدة للمواجهة التي تخوض يجعل قواها على استعداد للتفريط باستقلاليتها، ويحيلها مجرد أدوات طيعة في حسابات القوى الإقليمية….” (ص 69). فالشعب الفلسطيني وقياداته مسؤولون أولاً عن مصير ومسارات قضيتهم، ومن حق شعبهم عليهم ووفاء لشهدائهم وأسراهم ومشرديهم القيام بمثل هذه المراجعة.
ينشر بالتزامن مع موقع الفضل شلق