نلتقي اليوم لنكرم جريدة “السفير” على مرورأربع وأربعين سنة على انطلاقتها في 26 آذار 1974، وهي تستحق كل تكريم، ويستحق المنبر الثقافي في جمعية التخصص والتوجيه العلمي كل الشكر لدعوته الى هذه المناسبة. ومن سؤ الطالع ان نحيي هذا الحفل وقد توقفت “السفير” عن الصدور في 4 كانون الثاني 2017 وبالتحديد منذ سبعة وسبعين يوماً، وقد تركت وراءَها فراغاً اعلامياً لدي ولدى كثيرين امثالي الذين لا يشاركونها حتماً نفس المنطلقات ولا نفس المسلمات.
لكل واحد منا تجربته الشخصية مع طلال سلمان واسرة “السفير”. وارغب ان اسجل ان الاخ طلال اتاح لي فرصة ممارسة مهنتين احبهما : المحاماة والكتابة. افخر اني وقفت مع جمع من الزملاء المحامين امام المحكمة في بيروت ندافع عن “السفير” بتهمة نشرها معلومات سرية تتعلق بمفاوضات خارجية. كما أعتز بأن الاخ طلال سلمان افسح لي في المجال لاكتب مقالاً اسبوعياً في صدر صحيفته. في الحالة الاولى شعرت بان دفاعي عن “السفير”امام المحاكم هو دفاع عن حريتي وحرية كل اللبنانيين في ابداء الرأي فعلاً وقولاً وكتابة. وفي الحالة الثانية سعدت بايصال صوتي كل يوم سبت الى الذين لا صوت لهم طوال فترة بدأت في تشرين الثاني 1991 وتوقفت في تموز 1992 عند تعييني اميناً عاماً لحزب الكتائب اللبنانية. واغتنم هذه المناسبة لاجاهر انه على الرغم من الفارق في المواقف والتطلعات فإنه لم يتم تبديل اي كلمة مما كتبته في مقالاتي، وهذا دليل آخر على احترام طلال سلمان واسرة “السفير” تعددية الآراء وحق الآخر بان يكون مختلفاً.
ويراودني اليوم سؤالان لم يخطرا على بالي من قبل: هل لعبت حرب تشرين 1973 دوراً ما في صدور السفير بعد مرور ستة اشهر فقط على اندلاع تلك الحرب التي شكلت الرد الاول على هزيمة 1967؟ وهل توقفت “السفير” عن الصدور نتيجة ازمة مالية عصفت بها وحالت دون استمرارها أم نتيجة طغيان ظاهرة الاصوليات على مفهوم العروبة، ونسيان قضية فلسطين والقدس، وتصاعد وتيرة حرب العرب على العرب بديلاً عن الحرب ضد اسرائيل والصهيونية؟ بالطبع، لا يسعني الا التساؤل، اما الجواب فهو في جوانية طلال سلمان.
أجزم من جهتي ان “السفير” دخلت الى الصحافة من بابها الضيق وخرجت من بابها الواسع. رافقت صدور”السفير” تساؤلات كثيرة منها: الى متى تستطيع ان تستمر في الصدور؟ وهل هي قادرة على تحمل طروحاتها على الصعيدين اللبناني والاقليمي؟ وهل بامكانها ان تولد تياراً يحقق ما تصبو اليه من تجديد النظام السياسي واصلاحه وتصحيحه؟ وهل ستبقى الى جانب تطلعات الطلاب والشباب؟ وهل ستدعم بلا مهادنة مطالب العمال والفلاحين والفقراء؟ والى اي حد ستنجح في تقريب لبنان من العرب والعرب من لبنان؟ وهل ستصمد امام مشاريع الصلح مع اسرائيل؟ وهل ستستمر في الدفاع عن المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي؟
وبالفعل استطاعت “السفير” ان تحقق الكثير، والاهم انها صمدت على خياراتها اربعاً واربعين سنة لاقت خلالها رواجاً ونجاحاً غير متوقَعين، وتربع طلال سلمان الى جانب غسان تويني على سدة الصحافة اللبنانية لسنوات طويلة وتحاورا عن بعد، وكل منهما حاور ذاته قبل ان يحاور الآخر.
اخي طلال،
انتَ من طينة المحرضين. في كتاباتك تحرض بشكل دائم على شيء او ضد شيء. والتحريض مغامرة يدفع الانسان ثمنهاعلى طريقته، وانت دفعتَ الثمن بالدم والقلم . ثابرتَ في الدفاع عن قناعاتك رغم المحاكمات والمداهمات والمتفجرات والاعتداءات المباشرة التي استهدفتك واسرة “السفير”. صحيح ان الصوت سكت، والقلم جفّ، لكن الصحيح ايضاً ان الحرية بقيت وستبقى في لبنان طالما هناك شعب يعلو صوته في الوطن والعالم، وجيش يحمي الحدود والداخل، ومقاومة تتصدى للتكفيريين وتتحدى اسرائيل.
أخي طلال،
القتال لم ينتهِ، وانتَ وصفَت “السفير” مرة بأنها “كتيبة مقاتلة”، وعلى الرغم من غياب المقاتلة فقد بقي المقاتل، وأنا على ثقة بأنك ستبقى في الميدان، فالشعب يطالب بالحرية والتحرير، والعدالة والمساواة، والانصاف والعلم ولقمة العيش، والجنوب يدعونا جميعاً لنعدّ ونستعد ونصبر ونجالد، والله مع الاحرار والمقاومين.
كلمة القيت في الحفل التكريمي لجريدة “السفير” الذي اقامته جمعية التخصص والتوجيه العلمي في 2017/3/23