تفرض الطبقة السياسية على لبنان أن يعيش أزمة حكم معقدة بتفاصيلها وخطيرة بنتائجها التي تنعكس شللاً في مؤسسات الحكم المعطلة بالفراغ المزمن والمدوي، و بالتفريغ المقصود والآخذ إلى العبثية، و بالتفريغ التآمري الذي ينفخ في رياح الفتنة…
هكذا يعيش لبنان حالة من الفراغ المدوي في مواقع القرار، بينما المنطقة جميعاً تعيش مخاطر غير مسبوقة تتهدد شعوبها في وحدتها، ودولها في وجودها ذاته، والمنطقة بفتنة عظمى تمتد من أدناها إلى أقصاها…
أما في لبنان فأسباب الأزمة ولادة الفراغ تتصل بعجز النظام عن تطوير ذاته بآليات الحكم واتخاذ القرار فيه، أو على الأصح: تآمر أهل النظام على نظامهم، لأسباب ذاتية، وإن اتخذت أو أُعطيت طابعاً طائفياً.
ولأن النظام طوائفي، وثمة طائفة ممتازة، وطوائف أخرى «عادية»، فإن أي تفكير في تبديل أو تعديل آليات الحكم لمنع الشلل فيه، يعتبر تهديداً مصيرياً للطائفة الممتازة التي ما زالت تعيش في عهد المتصرفية أو العهد التأسيسي (الفرنسي) للدولة اللبنانية… مع أن الانقسام السياسي داخل هذه الطائفة، كما في الطوائف الأخرى، طبيعي، بل بديهي، وقائم فعلاً.
…
الحديث عن النسبية واعتماد قانون انتخاب جديد يتعامل مع «الشعب» كحاصل جمع المواطنين المتساوين في الحقوق والواجبات وحسن التمثيل لمجموع الرعايا في المجلس النيابي فمؤامرة تستهدف «الطائفة الممتازة» في وجودها كما في حقها في اختيار ممثليها، منفردة، واستطراداً في اختيار رئيس الدولة، باعتباره من رعاياها، وليس بوصفه مواطناً مؤهلاً لأن يشغل هذا الموقع المميز والممتاز: رئيساً لكل لبنان بوصفه يمثل اللبنانيين جميعا.
هكذا تتحول الأزمة السياسية إلى أزمة وجودية، ويطرح مصير «النظام» على بساط البحث، ذلك أن أي تبديل أو تعديل في آلية الحكم يعتبر تهديداً مصيريا لطائفة بالذات، بينما الفراغ يهدد الدولة، كل الدولة، والشعب كل الشعب، بغض النظر عن أحجام طوائفه والحق الإلهي لبعضها في الموقع الممتاز من دون الطوائف الأخرى.
وهكذا يتمدد العجز ليضرب الدولة بمؤسساتها جميعا فيشلها: لا رئيس، ولا مجلس نيابي يقوم بواجبه الطبيعي، ولا مجلس وزراء قادر على ممارسة دوره كمصدر للقرار في معالجة شؤون الدولة وحقوق الشعب عليها.
والخلاصة: إن أخطر المتآمرين على هذا النظام السياسي الفريد في بابه في لبنان، هم المستفيدون منه.
هل من الجائز السؤال: هل في لبنان شعب حقيقة؟! شعب واحد له مصير واحد، في دولة واحدة؟!
الشارع فارغ بعد محاولات جماهيرية قمعت باستخدام السلاح المسموم: الطائفية، فإذا «الحراك» يحتفل بذكرى انطلاقته بلا جماهير.
لكن لبنان وطن لأربعة ملايين لبناني، يضاف إليهم من جاءه لاجئا بالاضطرار ـ حوالي نصف مليون فلسطيني ربما تراجعت أعدادهم إلى ثلاثماية ألف، وأكثر من مليوني نازح سوري جاؤوا إليه هاربين من الحرب التي تدمر بلادهم التي كانت سنداً للبنان وشعبه على الدوام.
ما الحل، إذن؟ لا جواب.. حتى إشعار آخر، فلننتظر وأمرنا لله!
نشر هذا المقال في جريدة “السفير” بتاريخ 29 آب 2016