ليس من الضروري أن يتم فعل “الخيانة” دفعة واحدة، كما فعل الرئيس المصري الراحل انور السادات، بعد خيانته “حرب اكتوبر” وزيارة العار للكيان الاسرائيلي وتسليمه باحتلال اراض عربية بما فيها بعض سيناء. يمكن أن تتم “الخيانة” على دفعات، كما تفعل دول الخليج العربي، بدءا بإمارة قطر وانتهاء بسلطنة عمان، من دون أن ننسى الاردن والمغرب، وعواصم عربية أخرى تحدث عنها رئيس حكومة العدو الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال زيارته لتشاد ومن دون أن يحددها.
وعلى هذا الاساس فقد شاركت سبع دول عربية في القمة الاقتصادية التي عُقدت في وارسو، وجلس وزير خارجية الحكم المخلوع في اليمن إلى طاولة الرئاسة جنبا إلى جنب مع نتنياهو، بينما شهدت قاعة المؤتمر لقاءات “غير رسمية” بين عدد من المسؤولين العرب وبعض اعضاء الوفد الاسرائيلي الذي قال ناطق باسمه أن المؤتمر كان فرصة ممتازة للتطبيع، مع دول لا تعترف بإسرائيل.
لقد اسقطت دول عربية عدة صفة “العداء” عن اسرائيل، كما اسقطت صفة “العروبة” عن هذه المنطقة، واعتمدت التسمية الغربية لها، أي “الشرق الاوسط” حتى تزول الفوارق بين اهل البلاد و”الغزاة” الذين جاءوها من أربع رياح الارض معززين بالتأييد الدولي الذي يتضمن شيئاً من “الانتقام المتأخر” من هؤلاء الذين وصلوا ذات يوم إلى بواتييه، في فرنسا، فضلاً عن الاندلس في اسبانيا. ما علينا، ذلك من التاريخ، لنعد إلى اليوم..
ومن اسف فان الشعوب العربية مغيبة، باليأس، او بترك الماضي لزمانه والاهتمام باليوم والغد، وحمل كل منهما أثقل من الآخر.. و”العالم يتغير” وعليك أن تنسى التاريخ وتتعامل مع الامر الواقع والا نبذت وعوملت كطارئ على هذا العصر!.
التوحيد بين واشنطن وتل ابيب قد يكون “واقعيا” في السياسة، لكنه مغاير للتاريخ والجغرافيا، إلا لمن استكان للهيمنة الاميركية ومعها الاختراق الاسرائيلي للبلاد العربية.. وهذا يخالف ما حدث بعدما تطوع الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، حاكم قطر، لكي يعترف بإسرائيل ويوفد بعض وزرائه اليها، ثم يستقبل العديد من مسؤوليها، لا سيما من رجال المخابرات… ودائماً بذريعة أن السعودية تريد احتلال منطقة العيديد، التي جعلها الشيخ حمد أخطر قاعدة حربية للطيران الاميركي، ثم أشرك مع الاميركيين مؤخراً اتراك اردوغان.
إن المؤتمرات الدولية المنظمة تحت الرعاية الاميركية، هي المكان الامثل لتمرير “الصلح” مع العدو الإسرائيلي، وكأنه قد حدث سهواً او بالغلط..
وعلى هذا فلسوف تزيد من واشنطن من تنظيم مثل هذه المؤتمرات، لزيادة عدد المعترفين من “العرب” بكيان العدو والمستعدين لإقامة علاقات علنية معه.
..هذا في الوقت التي ما زالت بعض الدول العربية “تقاطع” سوريا، وقد اقفلت مقار بعثاتها الدبلوماسية في دمشق.. وقد “بشرنا” الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد ابو الغيط (التي تحولت إلى دائرة مصادقة على العلاقات العربية الاسرائيلية)، إلى أن دعوة سوريا إلى الجامعة لم يحن أوانها بعد.. وطبيعي أن يكون هذا هو موقف ابو الغيط الذي كان بين السابقين إلى “الاعتراف” بإسرائيل والتطبيع معها.
وعلينا الاعتراف أن معظم الدول العربية هي الآن محتلة، او فيها قواعد اجنبية، هي في الاغلب الأعم اميركية ومعها بعض القوات البريطانية كما في العراق وسوريا، او اميركية وفرنسية كما في دولة الامارات والسعودية، فضلاً عن الاميركية والتركية في قطر؟
فهل مثل هذه “الدول” مهيأة للحديث عن “تحرير فلسطين”، ومعظمها يقيم ـ علناً او سراً ـ علاقات ممتازة مع العدو الاسرائيلي، هي بالضرورة على حساب فلسطين بل على حساب المستقبل العربي جميعاً.
إن معظم هذه “الدول” تكاد تكون بلا شعوب، ومبرر وجودها متصل بثرواتها الطبيعية التي لا فضل لأهلها الا وجودهم فيها (النفط والغاز..) بالمصادفة.
وبالتأكيد فان بين ما شجع هذه الدول على “الارتياح” في إقامة العلاقات مع دولة العدو الإسرائيلي، تغييب شعب فلسطين عن قضيته المقدسة بعد اتفاق اوسلو مع الاعتراف الاسرائيلي بالسلطة الفلسطينية في رام الله، وهي التي لا سلطة لها على أي شبر من فلسطين.. بل انها تشارك في حصار غزة وتعجز عن منع عسكر الاحتلال الاسرائيلية من مداهمة “المطلوبين” في رام الله ممن قاموا او انهم يفكرون بالقيام بعمليات ضد جنود الاحتلال الاسرائيلي.
إن فلسطين تصرخ بلسان شاعرها العظيم محمود درويش : يا لوحدك..
لكن “من تبقى من العرب” أعجز من أن يلبوا النداء، بينما اصحاب العروش المذهبة قد قاربوا “العدو” واسقطوا حواجز المنع والمقاطعة، إما تقرباً من الولايات المتحدة، واما إتقاءً لشر اسرائيل وشراء صداقتها بالذهب..
ومن أسف فان غياب الشعب بل تغييبه عن العمل السياسي، في مختلف الاقطار العربية، قد فتح الباب واسعاً امام العدو الاسرائيلي.. بل انه قد فتح ابواب التعاون المشترك في مجالات النفط والغاز (كما مع مصر والاردن..).
وهكذا فقد باتت دولة العدو الاسرائيلي تتباهى على الدول العربية بانتخاباتها الديموقراطية. وبوجود احزاب معارضة (غير نواب “الاقلية” العربية فيها)..
و…ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم!
تنشر بالتزامن مع السفير العربي