هذا الطفل الذي يأخذ من الزمان فرحه ولا يشيخ.
“ قمر مشغرة” الذي يأخذنا الى الفرح لنقوى على الزمان وعادياته، والذي ينثر نقاءه على دنيا الفن في لبنان وسائر الارض العربية، منحنا القوة لعمر جديد، مساء السبت الماضي، من خلال مشاركته في ”عرس قانا لله تنتهي لياليه في مسرح المدينة اليوم (الجمعة) .
ليس الفن ترفاً.
وليس الفن تهويماً في سديم العبث.
الفن للناس وبالناس: منهم ينبع وإليهم يتجه، يكشح السويداء ويعمق الحزن ليصير ذروة التحدي لقدرة الانسان على التحمل والمواجهة وتخطي الواقع.
ومن قلب الحزن يستولد زكي ناصيف الفرح الانساني. يكاغيه ويلاغيه ويمسح عليه بشيء من طفولته ثم يطلقه ليقول للناس انهم هم البداية والنهاية: هم البناؤون، هم الفلاحون، هم الحصادون، على وجوههم ترتاح الشمس ومن ضياء عرق الجبين يستمد القمر نوره ومن ارتعاش عيون الصبايا بالحب تتوالد النجمات وتفرش السماء ملاءة وأثواب زفاف.
زكي ناصيف لا يغني: انها روح البقاع، ارضه بالنهر فيها والشجر، بالطير ونسيمات الجنوب المطعمة بنكهة فلسطين، بشموخ جبل الشيخ ومنقلبه السوري حيث تزاوج عبق الايمان بالمسيحية والاسلام تحت عباءة البداوة التي ورثت تمدن السابقين لتصنع حضارة جديدة غنية الوجدان بالرموز…
ومن الرموز تجيء الفلسفة والرياضيات والموسيقى والمعادلات التي تستولد لكل أرض انسانها.
وكالروح، زكي ناصيف، لا يهرم ولا يشيخ ولا يتوقف عن العطاء.
* * *
لماذا يتباعد هؤلاء ”المتكاملون”؟!
لماذا يضيع الشعر عن لحنه ويتوه اللحن عن صوته؟!
لماذا لا يغني عبد الكريم الشعار وجدان طلال حيدر بروح زكي ناصيف؟!
انها دعوة ”أنانية” يطلقها مستمع يتشهى اكتمال المبنى بالمعنى.
انها دعوة الى اختراق الركاكة والهشاشة وليل الاغتراب عن الذات بالأصيل والجميل والذي يبقى للذين بعدنا ويرشدهم الى أنفسهم.