في الثلث الاخير من شهر نيسان عام 1996 شنت قوات العدو الاسرائيلي هجوماً ضارياً على جنوب لبنان، تصدى له مجاهدو المقاومة بما يملكون من ارادة معززة بالإيمان وما تيسر له من السلاح.
كان الرئيس الراحل الياس الهراوي في المستشفى لإجراء عملية جراحية في كاحل رجله اليمنى… وبرغم ذلك فقد أصّر على السفر إلى نيويورك لطرح قضية الاعتداء الاسرائيلي على لبنان امام مجلس الامن الدولي عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ولقد اتصل الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد بالرئيس الهراوي مطمئنا الى سلامته وقد عرف بأمر الجراحة.. فلما علم انه سافر لعرض العدوان على المجتمع الدولي، عاد إلى الاتصال به بعد عودته إلى بيروت، وأخذ يستفسر منه عن موقع الجراحة وطول الجرح، وموقع نقطة الدم المتخثرة، وكيف أمكن التخلص منها.
هنا، اترك للرئيس الهراوي أن يروي التفاصيل:
ـ انت تعرف، مثلي، الرئيس حافظ الاسد..انه مثل نقار الخشب.. أن له طبيعته واهتمامه بتفاصيل التفاصيل. انه ينهكك بالأسئلة، مُظهراً اهتمامه وحرصه على صحتك. ولقد شرحت له موقع نقطة الدم التي تجمدت عند الكاحل، وكيف عمد الاطباء الجراحون إلى متابعة مسارها من فوق، عند اعلى الفخذ إلى الكعب عند القدم.
ضحك الرئيس الهروي وأكمل يقول: على أن الرئيس الاسد استمر يسأل متوغلاً في التفاصيل وتفاصيل التفاصيل مثل: وهل اخرجوا نقطة الدم ام ذوبوها؟ وهل توجعت كثيراً؟ وهل اروك صوراً لمسار العملية؟ وكم استلزمت من وقت؟ وهل لها تأثيرات جانبية؟ صحيح اننا تقدمنا في السن، لكن المهم الا يحس أحد منا بأن نقصاً قد اصابه في جسده…
اتخذ رئيس الجمهورية مظهر الجد، وأضاف بلهجته الزحلاوية: ضاق خلقي.. اسئلة، اسئلة، اسئلة، على طريقة نقار الخشب.. طيب وبعدين؟ فجأة وجدتني انتصب واقفاً، ثم اخلع سترتي وارميها على الكرسي، قبل أن اباشر فك ازرار بنطلوني.. بينما الرئيس الاسد يتابع حركتي وقد أخذته الدهشة..
صمت الرئيس الهراوي لحظة قبل أن يتابع كلماته بحركات تعيد تجسيد المشهد:
ـ تفضل يا سيادة الرئيس.. شايف اثر الجرح، من هون، من كعب رجلي إلى فوق، فوق، عند ملتقى الفخذين.. شفت بعينك أثر الجرح؟!
ووسط ذهولي، قال الرئيس الهراوي ضاحكاً: قلت لك من قبل انه مثل “نقار الخشب”، يلحق بك طالباً تفاصيل التفاصيل، وهو مثل القديس توما، يريد أن يضع يده على الجرح حتى يستوثق فلا يبني على الحكي..
قلت له ضاحكاً: في أي حال، فقد سجلت يا فخامة الرئيس حدثاً غير مسبوق.. فلم يحدث عبر التاريخ أن ارخى رئيس دولة بنطاله امام رئيس دولة أخرى ولو ليريه مسار الجرح بين قدمه ومشعره. وحده الياس الهراوي يمكنه أن يفعل ذلك.
ضحك الرئيس الهراوي وهو يختم قائلاً: انه يعرف كل شيء عنا، في السياسة والعسكر، والصراعات، والطوائف، عن الاقتصاد والعلاقات مع الدول الاخرى.. فلا بأس إذن، في أن يعرف، من موقع الصديق، موقع الجرح في جسدي، الذي لم يمنعني من رفع صوت لبنان في المنتدى الدولي لإدانة العدو الاسرائيلي باعتداءاته المتكررة على وطننا، الذي يحتل جنوبه ويقتل أهله.