تستولد الحياة ذاتها وتتواصل معيدة تشكيل ابنائها.
يصير المولود والداً موزعاً على اهله اوسمة الجد والجدة، الخال والخالة، العم والعمة، وعلى الأصغر سناً ألقاب ”الزمالة”.
ومع الأصغر يكبر فجأة “الأكبر” و”الكبير” فيدفع الى حافة الشيخوخة.
إنه الازدحام.. وجرس الإنذار صريح في إعلان المضمر!
تختلط في الاحتفال المشاعر، وتحمل كلمات التهنئة رنة الحزن، وأحياناً دوي ”الفضيحة” الصغيرة: لقد اظهر القادم حقيقة المخبوء، والإعلان انك غدوت ”جَداً” يضيق امامك هامش ادعاء الشباب!
إنها كتلة بسيطة من اللحم، فكيف استطاعت ان تحمل معها كل هذه الاسئلة، وكل هذه المشاعر الغامضة والأفكار المغلقة على ذاتها!
تحاول القراءة في عينيها المنفتحتين الآن على الاسرار المطوية، فتكتشف ان كثافة الاسرار تمنع عليها الرؤية، فإذا كل ما تلمحه ظلال وأخيلة لا توفر لها فرصة المعرفة ولا تتيح لك التوغل في المجهول.
تخاف ان تمسك بأطرافها الهشة، او ان تحتضنها حتى لا ينكسر فيها ما لا يُجبر.
هذه الآتية الى عصر آخر: هل تحسدها ام تشفق عليها؟!
ان الأبناء الآتين الآن ليسوا مجرد جيل جديد. انهم المدار لدنيا جديدة.
صار الزمان زمانين، فعلاً.
انهم لا يبدأون من حيث انتهينا، ولكن من حيث لم نصل ابداً، ولعلنا لم نحلم بالوصول.
لم تعد المسافة محدودة وضيقة: ينقلون عنا ويضيفون ما يتوصلون الى اكتشافه او إنجازه مباشرة.
لم تعد الفروق تفصيلية ويمكن استدراكها بشيء من الجهد.
صار بين الابن وأبيه سنوات ضوئية، كلاهما لا يقدر على ان يأخذ من الآخر وعنه ما يرغب فيه او ما يفيده تماماً.
مظلوم هو ”الجد” الذي يباعد الزمان الجديد بينه وبين ”خلفائه في الأرض”فيرميه بغير إشفاق في وهدة القرون الوسطى ليتأمل من هناك أحفاده وهم يتقافزون فوق النجوم عابثين بكل ما حققه من ”إنجازات” وكأنها ألعاب أطفال.
لكن الحياة تتسع لجميع الحالمين، بمن فيهم اولئك الذين يفترضون في أنفسهم، القدرة على نسج حوار بين الزمانين.