هي لفتة كريمة حقاً من الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب، ملك المفاجآت الصادمة، أن يدعو رئيس السلطة التي لا سلطة لها على فلسطين إلى لقاء في البيت الابيض.
على أن اللقاء لن يكون طبيعياً، تماماً كما أن الدعوة جاءت مباغتة، ومن دون إعداد مسبق، ومن دون جدول اعمال محدد.
انه لقاء بين رجلين أحدهما هو رئيس اقوى دولة في العالم، ويمكن اعتبارها “مؤسسة” لدولة اسرائيل على ارض شعب فلسطين الذي ُطرد من وطنه وسلبت منه ارضه – هويته وحول إلى مجاميع من اللاجئين في الخارج و”الداخل”، والثاني رئيس سلطة لا سلطة لها على بعض ارض وطنها، وان كانت تتمتع بالشكليات جميعاً: علم ونشيد وطني ومجلس نواب مطعون في انتخابه ناقص التمثيل وحكومة تعيش على الصدقات.
للدعوة الاميركية اغراءاتها التي قد تذهب بالكثير من قداسة القضية.. فالانبهار بدخول البيت الابيض قد يضيع الطريق إلى بيت المقدس، ولقاء رئيس الدولة الاقوى في العالم قد يبهر رئيس السلطة التي لا دولة لها فيدفع (وتدفع القضية) ثمناً باهظاً للصورة الموعودة في البيت الابيض.
لقد تم ” تذويب” القضية المقدسة حتى باتت سطوراً، مجرد سطور، في بيانات مفرغة من المعنى تصدر دورياً عن جامعة الدول العربية، الميتة في انتظار أن تجد من يدفنها، قبل أن تدفن آخر ما تبقى من آمال الامة العربية ومن احلامها في الوحدة والتحرر والتقدم… او مجرد تصريحات لبعض “القادة العرب” ممن صنعتهم نكبة فلسطين فعاشوا منها وعليها.
لا يملك الرئيس الاميركي دونالد ترامب، الآتي من المضاربة، والتي لم يُعرف عنه اهتمامه بالتاريخ، ما يملك أن يعطيه لقضية فلسطين التي يكاد ينهيها – بقداستها -النظام العربي الذي قضى على الثورة الفلسطينية وحولها إلى حكومة عاجزة ومفلسة تدور لتتسول رواتب موظفيها وشرطتها ومخابراتها وسائر الاجهزة.. ولا تملك أن تقول “لا” لأي حاكم عربي ولو كان بمستوى امير مدينة، فكيف يمكنها “التفاوض”، فضلاً عن احتمال رفض المعروض من قبل رئيس اقوى دولة في العالم.
ومهما أحسنا النية في رغبة ترامب أن يسجل اسمه في التاريخ كمجترح معجزة الحل للقضية الفلسطينية، فلا يمكننا أن ننسى انه قد استقبل، قبل اسابيع، رئيس حكومة الكيان الاسرائيلي، بالأحضان، وانهما باشرا المؤتمر الصحافي قبل اعداد البيان المشترك، لان التوافق كان كاملاً.
المعادلة واضحة: ابو مازن لا يملك شجاعة أن يرفض هذه الدعوة الكريمة من احدى الدول الكبرى التي مهدت لقيام “اسرائيل” ثم رعتها ومولتها وسلحتها ونصرتها على الدول العربية بمجموعها (وشعب فلسطين ضمنها).
وترامب لا يملك أن يقدم حلاً، وان قام بمبادرة اجتماعية لطيفة ذات مضمون سياسي يأخذ من فلسطين ولا يعطيها.. غير الصورة التي تشهد على كون القضية المقدسة قد ذهبت تطلب اللجوء السياسي من احد قتلتها..
ويا فلسطين جينالك..
ينشر بالتزامن مع السفير العربي