في زيارتي الأولى لطهران، بعد انتصار الثورة الاسلامية بقيادة الامام او آية الله روح الله الخميني، تسنى لي أن التقي الكثير ممن سيصيرون قيادة الحزب الجمهوري (الحاكم، بإمرة الخميني، طبعاً..).
بين المقابلات الملفتة تلك التي تمت مع من سيكونون مسؤولي الغد في الجمهورية الوليدة والمختلفة عما عداها من الدول، وابرزهم ـ حينذاك ـ أول رئيس لهذه الجمهورية الفريدة في بابها: ابو الحسن بني صدر، المثقف البارز، خريج الجامعات الفرنسية والذي يتقن، مثل معظم الايرانيين اللغة العربية، وان كانوا يفضلون الا يتحدثون بها.
كان الامام الخميني قد اعلن قيام “الجمهورية الاسلامية في ايران”.. وبالتالي فقد كان طبيعيا أن يكون سؤالي الاول حول هذه “الجمهورية” التي لم يُعرف مثلها التاريخ الاسلامي… وهكذا وجدت نفسي اسأل عما يحيرني من امر، اسمها ومضمونه.. فكانت اسئلتي لـ”الرئيس” الذي لم يمتع بالرئاسة طويلاً ابو الحسن بني صدر، عن هذه “الجمهورية” التي لم يعرف المسلمون، خلال فترات حكمهم بدولها المختلفة شبيها لها او مثيلا.. وبالتالي فمن الطبيعي أن نسأل عن “مواصفاتها” وعلاقتها بالدين الحنيف، خصوصا وأنها خارج نموذج “الخليفة” الذي اعتمده النظام الاسلامي.
.. وابتسم بني صدر وهو يقول: مما يؤسف أن رسول الله النبي محمد، قد توفاه الله قبل أن ينجز مهمته الرسولية ويحدد نظام الحكم، بعده، لا سيما وانه رحل تاركا لهم أن يختاروا.. وهكذا، اندفعوا، بعدما اطمأنوا إلى غيابه، نحو الخلافة..
أضاف بني صدر بشيء من السخرية: وهكذا قتلتم، يا العرب، ثلاثة من الخلفاء الراشدين :ابو بكر وعمر وعثمان وعلي بن ابي طالب، ثم جاء الامويون فحكموا بنظام ملكي وراثي وان هم غلفوه بشعارات اسلامية.. وهكذا انتهى نظام الحكم الاسلامي من قبل أن يولد، ثم التهمت الحروب بين المسلمين العرب المبادئ التي كان حددها لرسول للحكم. ولعل “السقيفة” وما جرى فيها بين الصحابة وهم يختارون ابا بكر الصديق خليفة هي بداية الخروج عما نفترض أن الرسول الكريم كان يريده كنظام حلم للدولة الوليدة التي ستغدو امبراطورية، تشابه في نظامها واحكامها إمبراطوريتي فارس وبيزنطية.. كذلك قمعت روح الثورة وارادة التغيير التي بشر به وحملها طيلة حياته الرسول العربي الاكرم محمد بن عبدالله..
ووجدت أن النقاش قد يتفجر بالغام عديدة.. فالمقدس او ما شبه المقدس لا يناقش عادة!