كأنما كنا على موعد قدري،
أما أنا فأعرفه عن بعد: ابراهيم عامر مناضل مصري بدأ حياته عاملاً في بعض مصانع الغزل والنسيج، وهناك سمع عن النقابات فانتسب إلى بعضها، والى الحزب الشيوعي فقاربه مأخوذاً بشعاراته… وفيه بدأت رحلته مع الثقافة والمعرفة وصولاً إلى الصحافة، مزوداً بلغتين يتقنهما جيداً قراءة وكتابة: العربية ومعها الانكليزية.
ولقد تعرض للملاحقة والمحاكمة، وسجن مرات، وظل صامداً يتابع تثقيف نفسه مقترباً من الصحافة التي وجد نفسه فيها، فعمل في مؤسسات كبرى واكتسب خبرة مهنية ممتازة، وان ظل الكتاب رفيقه.
ذات يوم، ونحن في غمار الإعداد لإصدار “السفير” جاء الزميل المصري الراحل مصطفى نبيل في زيارة تفقدية وانتبه إلى اضطرابنا في مواجهة المهمة الخطيرة. قال: ألا تعرف ابراهيم عامر؟ إنه صحافي ممتاز ومثقف خطير، وقد ترك القاهرة بعدما عينته صحيفة يوغوسلافيا الأولى مراسلاً لها في بيروت، مكلفاً بتغطية المنطقة.
ثم جاء الفنان الكبير حلمي التوني عشية الصدور حاملاً معه شعار “السفير” ـ الحمامة ـ ومعه ماكيت الصفحة الأولى. وحين وجدني أتخبط في حيرتي، سألني: ألا تعرف ابراهيم عامر؟ سأتصل به وألتقيه فأساله، ثم آتيك به، إذا لمست حماسته.
وجاء ابراهيم عامر إلى “السفير”، فتحولت الورشة إلى خلية نحل بعد ما تم تركيز الأسس: الثوابت، تحديد هوية الصفحات، أصول العنوان، كيفية استخدام الصور ومساحاتها، الكاريكاتير ومكانه، المقالات وكيف توزع.
تضافرت الخبرات: بلال الحسن الكاتب الفلسطيني الذي زاملته من قبل في مجلة “الحرية” لسان حال حركة القوميين العرب المنفتح على اليسار، القريب من الزعيم الراحل ياسر عرفات (وهو شقيق الراحلين خالد الحسن ـ ابو السعيد وهاني الحسن).
ميشال حلوه المهني الممتاز الدؤوب والمخلص حتى التفاني، الدقيق حتى التمحيص وإضجار المحررين بالأسئلة، الخبير في الشأن المحلي من خلال صحبته الطويلة مع الراحل إميل البستاني وعمله في صحف عدة.
يوما بعد يوم صار ابراهيم عامر مرجعنا، في أصول كتابة الأخبار، في مقارنة تناول الوكالات الدولية المختلفة للحدث الواحد، في أهمية التدقيق بالمعلومة وضرورة إسنادها لأكثر من مرجع، مع شيء من التحفظ الضروري توخياً للدقة.
أما في أيام العطل فإبراهيم عامر هو منظم رحلات الترفيه، ينتشي بالطرب، ويرقص بالعصا… وهو راعي القلوب الشابة، يأتيه الأحبة ـ والأسرة كلها تقريباً من الشباب والصبايا ـ فينصح ويمسح الدموع ويصالح المتخاصمين بالغضب، ويسهم في حل الإشكالات ليعيش الحب.
ولقد “تسبب” ابراهيم عامر في حوالي عشر زيجات بين الزملاء والزميلات من شباب “السفير”… وكان يزداد سعادة كلما نجح في إقناع حبيبين ببناء عش لحياة الهناء.
بعد عام واحد، وبينما ابراهيم عامر في زيارة تفقدية مع الزميل نايف شبلاق لمطبعة جريدة “بيروت” انهالت القذائف فأحرقت المبنى بكامله، واحترق الزميلان عاشقا الصحافة في المطبعة…
وكان مفجعاً أن يعود ابراهيم عامر إلى القاهرة التي نعشقها مثله في صندوق صغير مقفل. لكن آثار “الأستاذ” ابراهيم عامر على جيل كامل من الصحافيين في لبنان، بعضهم من بقي في “السفير” وبينهم من غادرها، كانت بين عوامل نجاح هؤلاء الزملاء في كل مكان عملوا فيه.
رحم الله هذا الأستاذ الكبير، احد مؤسسي التميز في “السفير” منهجاً وأسلوبا وتمكناً في أصول المهنة.
تحية الى ابراهيم عامر في ذكرى استشهاده