تقرير الواشنطن بوست* عن الدعم العسكري وتلقي عدد كبير من دروز سوريا رواتب من الإدارة الإسرائيلية مؤسف للغاية ومُدان بكل المقاييس. لكنه وللأسف ليس ظاهرة جديدة في عالمنا العربي، فقد تناوب على العمالة لإسرائيل، أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، جزء من اليمين المسيحي اللبناني وجزءٌ آخر من شيعة الجنوب الذين التحقوا بجيش لبنان الجنوبي آنذاك. وكان قد سبقهم إلى مدِّ الجسور مع “العدو” إياه الرئيس المسلم السنِّي أنور السادات الذي سبقه السنِّي الهاشمي الآخر، الملك حسين، قبل أو بعد أو أثناء الكشف عن العلاقة المميزة التي جمعت ملك المغرب (أمير المؤمنين) الراحل مع قيادات الدولة العبرية. وأثناء الثورة السورية، لم يندر أن نرى جنوداً من الجيش السوري الحر وبعض التشكيلات الأخرى يتلقون العلاج في دولة العدو وكان آخرهم بعض أفراد الخوذ البيضاء الذين هربوا من قصف النظام السابق على متن باصات إسرائيلية قبل الانتقال من تل أبيب إلى كندا. وخلال عقود تناوب على “العمالة” أفراد وجماعات انتمت إلى كل المذاهب والأديان والقوميات التي تمتلئ بها منطقتنا. ورغم أن هذه الأمثلة لا تلخص المشهد لكنها تطرح كلها وفي كل مرة السؤال عينه: ما الذي يدفع أفراداً ينتمون إلى فئات عابرة للمجتمعات والطوائف، إلى تفضيل الاستنجاد بالعدو على الثقة بالقريب إبن المجتمع ذاته؟
الإجابة حمَّالة أوجه وهي برسم أصحاب الاختصاص من علماء اجتماع وسياسة وفلسفة. لكن يمكن الافتراض أن العقل البشري يعمل بطريقة مختلفة تخت ضغط الخوف والتهديد والحاجة.
الواضح حسبما يشير التاريخ القريب أن كل الرهانات على مغتصب الأرض قد فشلت بعد أن تخلى المنقذ إياه عن أتباعه عند انتهاء الحاجة إليهم أو أمام تغيير في حسابات مصالحه.
رهان بعض دروز سوريا (أسوة بغيرهم) على إسرائيل سيفشل بدوره، وهو رهان لا إجماع حوله لا بين الدروز أنفسهم ولا من العمق السوري وهو رغم كل ما جرى العمق التاريخي والبشري والجغرافي لأهل البلد من الطائفة الدرزية.
لا أحد يُخفف من وقع ما جرى في السويداء، حصلت مجازر بحق السكان الدروز لا يبررها شيء وهي مجازر وتجاوزات تقع تحت مسؤولية السلطة الانتقالية باعتبارها السلطة التي أناطت بنفسها تولي شؤون البلد. لكن هذا شيء والرهان على الإسرائيلي شيء آخر وهو يستدعي الإدانة الواضحة والرفض مهما كانت الأسباب.
إنها سوريا أيها السادة! أو سورية إن شئتم، الجمهورية العربية السورية أو الجمهورية السورية وهي بكل المسمَّيات وتحت كل الأسماء، جزء من هذه الأمة التائهة بتاريخها وهو مليء بالأسى، وحاضرها وهو مليء بالشكوك. سوريا هذه تنزف شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً ويتكالب عليها كل أوغاد الأرض. لكنها هنا، عصيَّة على التقسيم وأحلام الانفصال التي تراود البعض. سوريا كما نفترض، هي لأبنائها كلهم، وعليهم ألا يتنازلوا عن شبرٍ منها، وعليها أن تعيدهم إليها اليوم وفي هذه اللحظة وكل لحظة.
* راجع ترجمة المقال في القدس العربي تاريخ ٢٤ كانون الأول ٢٠٢٥

