غزة ـ حلمي موسى
في اليوم السابع والعشرين بعد المئة، تزداد الظروف تعقيدا في رفح، ومثلها، في قطاع غزة كلّه. ولكن، وكما يقال، فكلما اشتدت الأزمة، اقترب يوم الفرج. وكلنا ايمان بانكسار العدوان وزوال الاحتلال، فنصر شعبنا محتوم وهزيمة الظلم محقّقة.
***
عقدت في القاهرة أمس، اجتماعات بين الوسطاء المصريين والقطريين مع وفد يمثل حركة “حماس” لاطلاعه على الموقف الإسرائيلي من ردّ الحركة على خطة باريس.
وكان من المقرر حضور وفد إسرائيلي إلى القاهرة لتسهيل المداولات بشأن حلحلة مواضع الخلاف بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني حول صفقة التبادل وإنهاء الحرب. إلّا أنّ الإسرائيليين أبلغوا مصر رفضهم إرسال وفد إلى القاهرة، بما يوحي بأن مثل هذه المفاوضات عقيمة في ظل رد حماس، وأن على الحركة أن تقدم مقترحات مختلفة مع استعداد إسرائيل لمواصلة المفاوضات وفق اقتراح باريس.
وسبق أن أعلنت إسرائيل أن المجلس الوزاري المصغر توصل إلى إجماع حول أن مطالب حماس “سخيفة وغير واقعية”، وبالتالي لن يكون هناك أي جدوى من الذهاب إلى المحادثات في مصر حتى يتم خفض سقف المطالب عبر الوسطاء، بحسب تقرير للقناة 12 الإخبارية مساء أمس. وألمحت إسرائيل إلى رفضها أن تتناول المفاوضات أي إشارة إلى الحرم القدسي، أو إلى ظروف اعتقال الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. كما تصر إسرائيل حتى الآن على عدم تجاوز تفاصيل المرحلة الأولى من تبادل الأسرى وإبقائها ضمن “المعايير الإنسانية” التي كانت قائمة في الهدنة السابقة.
من جانبه، أشار المراسل السياسي لموقع “والا” باراك رافيد إلى أن المجلس الوزاري السياسي الأمني كان قد أقر التعليقات الإسرائيلية على رد حماس. ونقل مسؤولون إسرائيليون كبار الرسائل إلى كل من قطر ومصر والولايات المتحدة، حيث رفضت إسرائيل دعوة مصرية لإرسال وفد إلى القاهرة في هذه المرحلة، وشددت على ضرورة تضييق الفجوات لأن رد حماس لا يسمح بإجراء مفاوضات جدية.
ونقل رافيد عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله إن إسرائيل رفضت جزءا كبيرا من مطالب حماس، لكنها أبدت استعدادها للدخول في مفاوضات على أساس الاقتراح الأصلي الذي تم وضعه في باريس قبل بضعة أسابيع.
واعتبر رافيد أن الرد الذي نُقل إلى الوسطاء يوحي بأنه على الرغم من الرد العلني المتشدد لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فإن إسرائيل لا تغلق الباب أمام استمرار المفاوضات حول صفقة رهائن محتملة.
وكان المجلس الوزاري المصغّر قد ناقش لساعات عدة ليلة الخميس رد حماس على الاقتراح الذي طرحته في باريس كل من قطر ومصر والولايات المتحدة وإسرائيل، ويتضمن الخطوط العريضة للإفراج عن المختطفين. وأشار مسؤول إسرائيلي كبير إلى أن إسرائيل أوضحت للوسطاء أنها، خلافا لمطلب حماس، لن توافق على انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من “الممر” الواقع جنوبي مدينة غزة، والذي يقسم القطاع إلى قسمين، في وقت مبكر من المرحلة الأولى من الصفقة. كما أنّها لن توافق على عودة السكان إلى شمالي قطاع غزة، ولكن سيكون هناك استعداد لدراسة انسحاب قوات العدو من مراكز المدن في قطاع غزة.
وأبلغت إسرائيل الوسطاء إنها تعارض طلب حماس إضافة عبارة “بشكل دائم” إلى البند الذي ينص على إجراء مفاوضات غير مباشرة بشأن العودة إلى وقف النار في المرحلة الأولى من مخطط باريس. ويعود السبب في ذلك إلى رفض إسرائيل الالتزام بإنهاء الحرب بعد الانتهاء من تنفيذ صفقة إطلاق سراح المختطفين.
كما أوضحت إسرائيل للوسطاء أنها غير مستعدة لأن تناقش، في إطار المفاوضات حول صفقة الرهائن، ما أسمته حماس في جوابها “رفع الحصار” عن غزة. وأكدت إسرائيل للوسطاء أن “مفتاح” إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين الذي قدمته حماس في جوابها “غير معقول”.
كما اعتبرت أن القائمة الطويلة من المطالب المرفقة في ملحق رد حماس، مثل الالتزامات المتعلقة بالمسجد الأقصى أو في ما يتعلق بأوضاع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، “غير مقبولة ولا علاقة لها بالصفقة الحالية”.
وقد احتجت عائلات المخطوفين الإسرائيليين على عدم إرسال وفد لمواصلة المفاوضات في القاهرة. ووجهوا رسالة للحكومة جاء فيها: “يبدو مما نشر أخيرا أن المجلس الوزاري الحربي اختار عدم إرسال وفد للتفاوض على إطلاق سراح المختطفين في القاهرة. وينضم هذا القرار إلى سلسلة من المواقف الاستفزازية حول التنسيق الحكومي في مواجهة صفقة التبادل، الأمر الذي قد ينسف المختطفين ويحكم عليهم بالإعدام، كما حدث بالفعل”.
وكتب أهالي المخطوفين أن “موظفي وسائل الإعلام التي تتلقى مساعدات مالية حكومية واسعة النطاق، يطالبون بالتضحية بالمختطفين ويقودون حملة تحريض منظمة ضد المواطنين والجنود الذين اختطفوا في أكبر فشل أمني في التاريخ”، مضيفين أن “تسلسل الأحداث والتصريحات يطرح أسئلة صعبة حول مدى التزام مجلس الوزراء بالإفراج عن المختطفين، والأسوأ من ذلك هو أن حملة التحريض تُظهر المختطفين وأفراد أسرهم كعدو يجب إزالته من الوطن ومن جدول الأعمال أو إسكاته.”
بدورها، اعتبرت صحيفة “يديعوت أحرنوت” أن قرار عدم إرسال وفد إسرائيلي إلى القاهرة هو نوع من الضغط المزدوج على كل من الوسطاء وحماس، كما أنّه إشارة بأن إسرائيل لا ترى فائدة من المفاوضات والوساطة إذا كانت بهذا الشكل، خصوصا وأن حكومة نتنياهو ترى أن رد حماس كان سخيفا ولا يشكل أرضية لإطلاق مفاوضات.
وكتبت “يديعوت” أن إسرائيل ستستخدم في الأيام المقبلة ممارسة ضغوط مزدوجة: من ناحية استمرار الضغط العسكري، ومن ناحية أخرى الضغط على الوسطاء لإقناع حماس بتقديم اقتراح آخر. وربما جاء الدليل على ذلك في إعلان نتنياهو بأنه أمر الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية بإعداد خطة “لعمل قوي” في رفح، بهدف تدمير “أربع كتائب تابعة لحماس” يقول إنها تعمل هناك، من دون أن يتم إيجاد حل لإجلاء أعداد كبيرة من اللاجئين الذين يزدحمون المدينة القريبة من الحدود المصرية. بالإضافة إلى أن العملية في رفح تثير قلقا كبيرا في مصر بسبب احتمال أن تحاول أعداد كبيرة من اللاجئين عبور الحدود من رفح إلى سيناء.