غزة ـ حلمي موسى
اليوم السابع بعد المئة. يوم جديد يعزز أملنا بقرب النصر.
**
يبدو أن الوضع يضغط بشدة على إسرائيل وأن استمرار الحرب ليس من مصلحتها. وبعيدا عن “محكمة العدل الدولية” والرأي العام العالمي، هناك إشارات مهمة عدة توحي بإمكانية الوصول إلى مستقبل مختلف.
أولى تلك الإشارات هي الحجم الهائل للعبء الاقتصادي للعدوان على إسرائيل وعواقبه المستقبلية. ويمكن الاكتفاء بالقول إن شركات التصنيف المالي الدولية، وبعدما رفعت فائدة القروض على إسرائيل، باتت تريد تخفيض تصنيف إسرائيل الائتماني.
وقد نشرت صحيفة “يديعوت أحرنوت” تقريرا يظهر أن كلفة الحرب ابتلعت حتى الآن حوالي نصف ميزانية العام 2024، وهي كلفة تقدّر بحوالي 255 مليار شيكل، أي ما يعادل حوالي سبعين مليار دولار.
بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن إغفال ارتفاع الضغط الاميركي على رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، خصوصا بعدما رفض فرصة “النزول عن الشجرة” التي وفرها له الرئيس الأميركي جو بايدن مؤخرا، بسلم دولة فلسطينية منزوعة السلاح.
وبايدن، الذي كان الى ما قبل أيام يراهن على أن صهيونيته المعلنة تشفع له عند نتنياهو، ويمكنها أن تجعله منقذا لإسرائيل من نفسها، أعلن أنه فهم من حديثه الهاتفي الأخير مع رئيس وزراء العدو، والذي كان الأول بعد قطيعة دامت نحو شهر من الزمن، أنه بالإمكان تحقيق حل الدولتين في ظل حكم نتنياهو.
وأوحى كلامه أنه فهم من نتنياهو أنه بالوسع المضي قدما نحو حل الدولتين، بما “يضمن أمن إسرائيل”.
لكن القيامة قامت في صفوف اليمين الإسرائيلي، مع كسر لحرمة السبت عند اليهود.
ولم ينتظر نتنياهو أن ينتهي السبت وتنتهي حرمة العمل فيه، وفي منتصف يوم أمس أصدر بيانا فيه نوع من الرد النهائي على كلام بايدن وجوهره أن لا لحل الدولتين حتى لو كانت الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح.
وبعد انتهاء يوم السبت، نشر نتنياهو رسالة أخرى على موقع X شملت الضفة الغربية، التي لم يتم ذكرها في الرسالة السابقة: “لن أتنازل عن السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على كامل المنطقة غربي الأردن”.
وبحسب المعلّق في “يديعوت أحرونوت” بن درور يميني، فإن بايدن يمارس ضغطا متزايدا لمعرفة إذا كان نتنياهو سيتصرف وفقا للمصالح الإستراتيجية المشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة، أو وفقا لرؤية الدولة الواحدة بقيادة سموتريتش وبن غفير.
ويشكك الكاتب في أن يقدّم نتنياهو موقفا واضحا. وهناك خوف متزايد من أن يتجه اليمين إلى التضييق أكثر بعد على نتنياهو، بما يؤدي، مرة أخرى، إلى طغيان المصلحة الحزبية على المصلحة الوطنية.
ومن المعروف أن جهات متزايدة في الإدارة الأميركية تضغط على بايدن للإعلان عن عدم ثقته بنتنياهو، وتغيير طريقة التعامل مع ائتلافه اليميني الذي يعرّض المصالح الأميركية، واستقرار المنطقة والعالم، للخطر.
وقد سبق أن حذّر مسؤولون أميركيون من أن نتنياهو يسعى لجر الولايات المتحدة الى حرب لا تريدها مع إيران.
وما يزيد الطين بلة بالنسبة لنتنياهو هو أنه صار أكثر عزلة في الحلبة الأميركية نفسها، إذ ساد التململ منه في صفوف كبار المؤيدين لإسرائيل داخل الحزب الديموقراطي، كما أعرب كثيرون في الحزب الجمهوري عن تخوّفهم من ردود فعل الشارع الأميركي على المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.
وبحسب شبكة “إن. بي. سي.”، فإنه حتى بين أصدقاء إسرائيل “العظماء” في الكابيتول ـ الجمهوريون والديموقراطيون – هناك شك متزايد إزاء طريقة إدارة رئيس الوزراء الإسرائيلي للحرب، وإزاء دوافعه: “بالنسبة له، فإن استمرار القتال يخدمه سياسياً، وهناك تساؤلات حقيقية حول قدرته على القيادة”.
وقيمة ما ورد في تقرير الشبكة الأميركية يكمن في أن نتنياهو كان قد اكتسب مكانته في السياسة الإسرائيلية بفضل صورته كلاعب سياسي هام في واشنطن، التي كانت تعد “ملعبه البيتي” حيث كان قادرا حتى على مقارعة رئيس كأوباما بفضل الدعم غير المحدود لإسرائيل في مراكز النفوذ الأميركية وخصوصا في الكونغرس.
وتنقل الشبكة عن عضو ديموقراطي في الكونغرس، يصف نفسه بأنه “صديق حقيقي” لإسرائيل، قوله إن “نتنياهو كارثة. ليس من الضروري أن تكون عالم صواريخ لكي تفهم أن لديه مصلحة في عدم انتهاء الحرب.”
وقد أفادت الشبكة مساء أمس بأن أعضاء الكونغرس “التقدميين” ينتقدون نتنياهو والهجوم الإسرائيلي على غزة منذ فترة طويلة، ولكن اليوم، بات المشرعون المؤيدون لإسرائيل، والذين يشغلون مناصب في لجان مهمة تتعامل مع الأمن القومي، يعبرون إحباطهم المتزايد من سلوك نتنياهو.
واعتبر تقرير الشبكة الأميركية بأن نتنياهو يواجه “دعما ينزف” بين مؤيدي إسرائيل في الكابيتول، وذلك على خلفية تقارير صدرت الأسبوع الماضي أفادت بأن مستشاري الرئيس الأميركي أوصوه بالإعلان بأنه يفقد الثقة في نتنياهو، وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي يطيل الحرب عمدا.
وبحسب شبكة “إن بي سي نيوز”، فإن ثلاثة من أعضاء الكونغرس تحدثوا للشبكة، قالوا إنهم يشكون حتى في ما إذا كان لدى نتنياهو إستراتيجية لإنهاء الحرب في غزة، مثيرين احتمال أنه يطيلها عمدا للبقاء في السلطة، وسط افتقاره إلى التعاطف بين الجمهور الإسرائيلي.
وقال عضو جمهوري في مجلس النواب يتعامل مع شؤون الأمن القومي للشبكة إنه “من الصعب للغاية الدفاع عن بيبي أو تبرير الإستراتيجية السياسية لكل ما يجري. أنا شخصياً، أعتقد أن له مصلحة سياسية بأن يظل منغمساً في الصراع، سواء مع “حزب الله” أو في غزة. وأي نوع من وقف إطلاق النار، أو اتفاق سلام، أو جهود لإعادة الإعمار، ستلحق به ضررا سياسياً، وأعتقد أن هذه العوامل لها وزن في ما سيفعله”.
ووفقًا للشبكة أيضا، قال عضو الكونغرس الجمهوري نفسه أن “هناك انعدام ثقة حقيقي، وهناك أسئلة فعلية حول قدرته على القيادة، وأعتقد أنه لا يحظى بشعبية كبيرة جدًا. أعتقد أنك تراه في حكومته، وتراه داخل ائتلافه. لكن انظر إليه داخل الجيش، وداخل البلاد. أعتقد أن هذه قضية مركزية للغاية بالنسبة للعديد من صناع القرار هنا في الولايات المتحدة، من وجهة نظر الأمن القومي”.
ويتفق عضو ديمقراطي في مجلس النواب، يعمل في لجنة الأمن القومي، مع هذا التقييم، إذ قال للشبكة إن نتنياهو يمثل “كارثة”. وهو يعرب عن “قلق بالغ” إزاء احتمال أن تتحول العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة إلى “حرب لا نهاية لها” تحصد عددا أكبر من القتلى والجرحى بين المدنيين.
يضيف “يبدو أن الحكومة الإسرائيلية قد أعطت الجيش الإسرائيلي مهمة بعيدة المنال – وهي تدمير حماس. وإذا كانت هذه هي المهمة التي يتوقعون من الجيش الإسرائيلي أن ينفذها، فستكون حربًا لا نهاية لها. وفي هذه الأثناء، سيُقتل عدد لا يحصى من الأشخاص – لا يحصى – من دون أن يرتكبوا أي جرم، وسيكون الدمار أمرًا لا يمكن تصوره”.
ويتابع عضو مجلس النواب الديمقراطي نفسه، الذي يعرّف عن نفسه بأنه “صديق حقيقي لإسرائيل”، قائلا “كانوا جميعا أصدقاء جيدين لإسرائيل، لكن نتنياهو كارثة، والأمر الأسوأ هو أن الكثير منا يخشى فشل نتنياهو. لقد أطال أمد الحرب، لأنه يعلم أنه بمجرد أن تنتهي، سوف يخسر منصبه. ولكن هذا الوضع، بالنسبة لأي شخص آخر ـ يعد أمرا فظيع”.
من جهته، قال رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، الديمقراطي مارك وارنر، الذي ترأس مؤخرا وفدا من أعضاء مجلس الشيوخ من كلا الحزبين إلى الشرق الأوسط، إن المشرعين حثوا المسؤولين الإسرائيليين خلال زيارتهم على زيادة المساعدات الإنسانية للسلطة الفلسطينية في الغرب.
أضاف أن “دعمنا لإسرائيل مازال ثابتا، لكن يجب أن يكون لدينا شريك من الجانب الإسرائيلي يدرك أن جيلا من الدعم الأميركي يمكن أن يضيع. الحرب في غزة تحتاج الى أسلوب مختلف.”
وهاجم وارنر، في مقابلة مع الشبكة، العناصر المتطرفة في حزب نتنياهو وتصريحاتهم الداعية إلى إخراج الفلسطينيين من غزة.
وصورة تزعزع الثقة ليست مختلفة في المقلب الآخر.
فبحسب “يديعوت أحرونوت”، يبدو أن اليمينيين الإسرائيليين يرفضون أي توصيات من واشنطن – حتى أن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش دعا “البيت الأبيض إلى الاستيقاظ من المفاهيم”. وقال: “هناك إجماع واسع في إسرائيل ضد الدولة الفلسطينية وتقسيم البلاد. وعلى أصدقاء إسرائيل أن يفهموا أن الدفع من أجل إقامة دولة فلسطينية هو دفع للمذبحة القادمة، لا سمح الله، والمخاطرة بوجودها”.
أضاف سموتريش: “وكما حدث في إسرائيل، يحتاج البيت الأبيض أيضا إلى أن يتحرر من الأوهام التي أدت إلى الكارثة الوطنية في إسرائيل”.
بدوره، كتب وزير الثقافة ميكي زوهار من حزب “الليكود” أن “دماء إخوتنا وأخواتنا لم تسفك لينال الفلسطينيون مكافأة، أو حتى نخاطر بمستقبلنا في بلادنا. أقول بوضوح لكل من لا يزال عالقا في السادس من أكتوبر: لن نسلم بأيدينا أبدًا إقامة دولة فلسطينية، هذا هو التزامنا تجاه الشهداء والأبطال الذين سقطوا”.
أما وزيرة النقل ميري ريجيف فقالت إن “الدولة الفلسطينية = انتصار للإرهاب. سنواصل القتال ونعيد المخطوفين ونقضي على حماس”.
من جانبه، كتب وزير الطاقة إيلي كوهين قائلا “إن إقامة دولة فلسطينية هو مكافأة للإرهاب وخطر على دولة إسرائيل. إنه سيشجع على قتل اليهود ويعطي زخما لمحور الشر الإيراني. لن نستسلم له”.
ووجهت عضو الكنيست تالي غوتليب الانتقادات إلى رئيس الوزراء نتنياهو: “السيد رئيس الوزراء. لن يكون هناك دولتين! لماذا؟ لأنه وفقا للروح الفلسطينية من النهر إلى البحر هناك دولة واحدة فقط وهي فلسطين “والعدو الصهيوني” في البحر. إذا نسيتم فكرة حماس والجهاد، فلدينا تذكير مرعب يوم 7 أكتوبر. إن المحادثات بينك وبين بايدن ليست سرية. لن تتمكن من قول أي شيء والعكس صحيح!”.
وكان نتنياهو قد شدد في مؤتمره الصحافي يوم الخميس الماضي، على معارضته لإقامة دولة فلسطينية في أي تسوية مستقبلية بعد انتهاء الحرب في غزة: “في أي تسوية في المستقبل المنظور، يجب على إسرائيل السيطرة على جميع الأراضي الواقعة غربي الأردن. هذا يتعارض مع فكرة السيادة، وأنا أقول للأميركيين، كرئيس وزراء إسرائيل، ينبغي للمرء أن يكون قادرا على قول لا حتى لأفضل اصدقائنا”.