غزة ـ حلمي موسى
وفي اليوم الثالث والتسعين، تتوالى الأيام وشدة قصف العدو فيما آماله تتراجع ويزداد إيماننا بقرب الفرج وتحقيق النصر لشعبنا.
**
شن حزب الله، يوم أمس، العملية العسكرية الأكبر له منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، وأطلق صواريخ مركزة على عدد من المواقع العسكرية والاستيطانية على الحدود.
وقادت هذه العملية، وما تبعها من غارات بمسيرات، إلى إطلاق صافرات الانذار في تسعين بلدة ومستوطنة في شمالي فلسطين المحتلة، من بينها مناطق تطلق فيها صافرات الإنذار للمرة الأولى منذ بدء الحرب. وفيما أعلن حزب الله أن هذه العمليّة تأتي في نطاق “الرد الأولي” على عملية اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحماس الشهيد صالح العاروري في بيروت، اعتبرت وسائل إعلام إسرائيلية أن العملية هي مجرد “استعراض لعين” لما ينتظر إسرائيل إذا توسعت الحرب مع لبنان.
غير أن هذه العملية بددت آمالا راودت الكثير من الإسرائيليين بأن التهديد بتدمير بيروت أو الجنوب كفيل بدفع حزب الله للقبول بتسوية تبعد المقاومة إلى ما وراء الليطاني.
وقد حاول الجيش الإسرائيلي التقليل من أهمية عملية حزب الله، مدعيا أنها سقطت إما في أماكن مفتوحة أو أنها ألحقت أضرارا مادية محدودة. وفي المقابل، ادعى العدو أن غاراته الجوية على لبنان بعد العملية طالت مواقع إستراتيجية للحزب ملحقة بها أضرارا كبيرة. لكن كل تلك المحاولات لم تفلح في انتاج الانطباع الذي تدعيه، لا لجهة ردع حزب الله وتقريبه من قبول التسوية السياسية المقترحة، ولا لجهة اقناع مستوطني الشمال بالعودة.
كان الانطباع الأكبر لما حدث هو أن حزب الله لا يخشى المواجهة مع إسرائيل. وربما أن هذا الانطباع هو ما قلل من إطلاق التهديدات الإسرائيلية هذه المرة.
ولا بد من الإشارة إلى أن وسائل الإعلام الإسرائيلية المجندة في معركة “الوجود الصهيوني” حاليا، حاولت بدورها اظهار أن التراجع عن إطلاق التهديدات يعود إلى نصائح أميركية. فقد طلب المبعوث الإسرائيلي الأميركي عاموس هوكشتاين من قادة الكيان النزول عن شجرة التهديدات ومحاولة التعامل بنفس طويلة مع حزب الله. واعتبر أن تعاملا من هذا النوع الإيجابي يبعد شبح الحرب ويقرب فرصة إبعاد حزب الله عن الحدود بطرق سلمية.
ويحاول قادة العدو التعامل في الشأن اللبناني على أنه نقطة خلاف أخرى مع الإدارة الأميركية. ونقل التلفزيون الإسرائيلي عن مسؤولين إسرائيليين كبار قولهم إنه لا أساس للتفاؤل الأميركي بشأن الوصول لتسوية سياسية مع لبنان بعد القصف العنيف الذي حدث يوم السبت. والواقع أن سكان مستوطنات الشمال لم ترق لهم طريقة تعامل جيش العدو مع القصف اللبناني، واعتبروها استمرارا لسياسة الاحتواء التي قادت إلى 7 اكتوبر في غزة، وقد تقود إلى ما هو أسوأ منها على الحدود الشمالية.
وكان وزير الحرب يؤآف غالانت قد أعلن، أثناء تقييم للوضع في قيادة الجبهة الشمالية، أن قوات الجيش الإسرائيلي تقوم بعمل “جيد جدا” ضد حزب الله، وتضربه كما تضرب المنظمات الفلسطينية التي تحاول العمل من لبنان. وادعى أن انجازات الجيش على هذا الصعيد “مذهلة جدا”، وأنها تزيد من إبعاد حزب الله عن الحدود.
واعتبر غالانت أن العدو أوقع أكثر من 150 قتيلا في صفوف حزب الله، وأن العملية مستمرة. ولم يكتف بهذا الكلام بل أضاف “أننا نواصل ونضاعف العمل على طول الجبهة بقدر ما يتطلب الأمر. ولنا هدف واضح وهو إعادة سكان الشمال إلى بيوتهم. ولتحقيق ذلك هناك بديلان: أحدهما سياسي، ونحن نعمل عليه بكامل قوتنا”.
أضاف أنه اجتمع إلى مبعوث الرئيس الأميركي الخاص عاموس هوكشتاين، وأنه سيلتقي قريبا مع وزير الخارجية الأميركية للبحث في إمكانية التوصل إلى تفاهمات تسمح بإعادة سكان الشمال “بأمان إلى بيوتهم”.
لكنه أوضح أيضا، إنه بموازاة ذلك، بحث مه هيئة الأركان ومع قيادة الشمال في احتمال أن “نضطر بداية إلى اللجوء إلى القوة وتنفيذ بعملية حربية في الشمال من أجل إعادتهم، مضيفا “بودي القول بشكل واضح أننا نفضل طريق التسوية السياسية عبر اتفاق. لكننا قريبون من النقطة التي ستنقلب فيها ساعة الرمل”.
وتشعر إسرائيل، وفق ما تنشر وسائل إعلامها، أنها في مأزق خصوصا بعد تلميحات واشنطن إلى عدم رغبتها في توسيع نطاق الحرب، وبالتالي عدم وجود رعاية أميركية للحرب مع لبنان، خصوصا بعد سحب حاملة الطائرات جيرالد فورد وتوابعها.
بالإضافة إلى ذلك، تشعر إسرائيل أنها في مأزق لأنها لا تعرف إذا كان هذا هو رد حزب الله الوحيد على اغتيال العاروري، أم أنه مقدمة لعمليات أخرى في الأيام المقبلة. وكان حزب الله قد أعلن أنه لا مفاوضات بشأن ترتيبات مستقبلية قبل إنهاء العدوان على غزة، وأن للبنان اشتراطاته لأي ترتيبات ستتخذ، إلا أن الباب بقي مواربا نحو تسوية لاحقة. ومن البديهي أن أي ترتيب سياسي سيكون مقابل ثمن يدفعه العدو يتعلق بحرية عمله برا وجوا في لبنان.
في كل حال، يبدو واضحا أن إسرائيل، وبرغم التهديدات السابقة لقادتها بتدمير لبنان، وتحويله إلى غزة أخرى، تواجه مصاعب في غزة تجعلها تفكر ألف مرة في جر للبنان إلى الحرب. فالتكاليف الاقتصادية والبشرية والمعنوية للحرب في غزة تكاد تتجاوز طاقة إسرائيل وقدراتها، فماذا سيكون الحال لو انضم حزب الله للحرب؟
وفي العموم، يعتبر الكثير من الإسرائيليين أن الأسبوع الحالي حاسم من حيث استمرار المعارك في الشمال والخوف من اندلاع حرب شاملة. وإذا لم يتم التوصل إلى حل سياسي، فإن احتمالات الحرب تتزايد بشكل كبير لأنه من الواضح لإسرائيل استحالة العودة إلى الوضع الذي كان سائدا على الحدود مع لبنان عشية 7 اكتوبر.
وهكذا، فإن كثيرين يعتمدون على دور الأميركيين في تخفيف حماسة إسرائيل لفتح جبهة جديدة. وهذا هو الدور الحقيقي لكل من هوكشتاين وبلينكن الذي يصل قريبا لإقناع العدو أن واشنطن ليست متحمسة لحرب أخرى في المنطقة، وأن اللعب بالنار الذي بدأ باغتيال العاروري ينبغي أن يتوقف، وربما يكون المدخل إلى ذلك هو وقف النار في غزة.