من ينقذ الإسلام من المسلمين وإسلاماتهم الكثيرة؟!
ربحت »دار الكفر« الاميركية، وبغير قتال، الجولة الاولى من حربها المفتوحة ضد »دولة الإسلام« ممثلة بنموذج »طالبان« في أفغانستان.
واجه التقدم الانساني في ذروته الاميركية الباهرة التخلف في وهدته الافغانية التي تكاد تكون قعر الارض، فاستحالت المقارنة وانتفى احتمال التردد في المفاضلة ومن ثم في الخيار، فلا أحد يقبل بأن تُسحب البشرية الى الخلف متقهقرة في نظم حياتها وأنماط تفكيرها الى »جاهلية« جديدة لا يبدل في طبيعتها رفعها للشعار الاسلامي في صيغته الجنينية الاولى وقبل ان يرتطم بتجربة الحكم الشديدة القسوة والتعقيد.
واستطاع جورج بوش، الذي لم يعرف عنه الذكاء او أهلية القيادة او المعرفة بأحوال العالم، ان »يتألق« بالمقارنة مع »أمير المؤمنين« الافغاني الذي لا صورة له، والذي يحكم من كهف بالسيف وبالنص المهلهل والمستخرج من بطون كتب عتيقة سطرها من لم يعرفوا شيئا عن أحوال الناس في زمن ما بعد »انتصار الدعوة«، ولا عن احداث الكون في زمن ما بعد »سقوط دولة الاسلام« في بلاد المنشأ قبل سقوطها في الاندلس السليب!
أسبغت التفجيرات في نيويورك وواشنطن ملامح الضحية على »الاميركي البشع« فقفز الى مركز القيادة »الشرعية« في العالم معلنا حربه المقدسة على »المسلم البشع« الآن، الذي يُنكره اهله والقيمون على دينه، وصارت واشنطن »الكعبة« الجديدة للمؤمنين المعادين للارهاب، يقصدونها ليستحصلوا منها على الشهادة لإسلامهم المصفى، المدجن، والطيع والمستعد لقتال هؤلاء »الأدعياء« من نسل مسيلمة الكذاب!
سحبت واشنطن من أسامة بن لادن وكالته العامة عن السماء وعزلته عن قيادة جيش المؤمنين الاحناف المكلف قتال الكفر والكفار، بعدما وسع إطارها، منتقلا بميدان القتال من موسكو الشيوعية وأتباعها الملاحدة الى الغرب الاميركي قائد الحملة الصليبية الجديدة، بغير ان يُسقط من حسابه تطهير »بيت الله الحرام« من أعداء الله، الذين فتحوا الارض المقدسة للكفار وأوكلوا حراسة مركز الدين الحق الى النساء الفاسقات من أهل الكفر.
صارت واشنطن الآن ظل الله على الارض في البر والبحر والجو، وممثلة »العدالة بلا حدود«، وقائدة جيوش المؤمنين ضد هؤلاء العصاة الغلاظ القلوب والقتلة الذي أنكرهم المسلمون جميعا وتبرأوا منهم في الدنيا والآخرة.
الاسلام ضد الاسلام، إذن، والمسلمون ضد المسلمين!
ضاع عنوان الاسلام الاصيل بين دعاته الكثر المتنافرين الى حد تكفير بعضهم البعض، برغم انهم يتشابهون الى حد التطابق في الملبس وأشكال اللحى والطلاقة في الاستشهاد بالآيات القرآنية عينها وبعض المنقول من »الحديث«.
في أفغانستان ذاتها بضعة أنواع من الاسلام،
وفي باكستان دزينة »اسلامات« تكاد تصطرع في الشوارع والساحات والثكنات وصولا الى سراي الحكم!
في دنيا العرب أنماط من الاسلام لا تلتقي الا في الشكل والبديهيات: للقذافي إسلامه الخاص المختلف عن إسلام جمهور الليبيين، وإسلام حسني مبارك في مصر يقاتل إسلام أهل الجهاد وأهل التكفير والهجرة وإسلام الاخوان المسلمين، وإسلام صدام حسين غير إسلام العراقيين (وهو قد اهتدى اليه مؤخرا فأضاف »الله أكبر« الى علم حزب البعث لقائده المؤسس المسيحي الذي هبط عليه الايمان بالدين الحق في أيامه الاخيرة فأسلم..) وإسلام أمير المؤمنين في المغرب غير إسلام ممثل الشريعة في السودان (الذي خرج من كم الاسلامي حسن الترابي ثم حبسه لتشدده في الاسلام)، وإسلامات الجزائر لا تسفح الا دماء المسلمين وكلهم على المذهب المالكي، وإسلامات فلسطين تكاد تختلف في ما بينها على الموقف من العدو الصهيوني الواحد الخ…
أين يلتقي هؤلاء المسلمون المتفقون في الشكل الايماني والمختلفون حتى القتل متى اقتربوا من السلطة او قاربتهم؟!
هل تكون هذه المأساة فرصة للمسلمين كي ينظروا في أمور دينهم بتطبيقاته الدنيوية، وان يتعاملوا مع حقائق دنياهم بغير ان يخرجوا على دينهم ومنه؟!
من للاسلام ينقذه من شبكات بن لادن ومن عدالة جورج بوش ومن الحاكمين باسمه وهم خارجه، وخارجون عليه؟!
هل هي ساعة الفحص والتدقيق والتمييز في علاقة الاسلام بالسياسة، وفي عمق إيمان الذين يحكمون باسم الاسلام؟!
لقد لعب بعض الذين انتدبوا أنفسهم للنطق باسم الاسلام، من داخل السلطة كما من خارجها، دورا تخريبيا خطيرا في تشويه الاسلام والمسلمين…
غدا سيلتئم المؤتمر الاسلامي على مستوى القمة في قطر »الجزيرة«، فكم نوعا من »الاسلام« سيتلاقى في إطار هذه المؤسسة الاميركية قلبا وقالبا، والتي لا رابط جديا بين المنتسبين اليها الا طمع بعض حكام الدول الاسلامية الفقيرة بكرم المحسنين من حكام الدول الغنية، في إطار الولاء لما يقرره القيّم على الايمان في البيت الابيض!
الى متى سيظل المسلمون خارج الاسلام، او يظل الاسلام خارج المسلمين؟!
الى متى سيظل تمثيل الاسلام حكرا على اثنين: حاكم ظالم، وخارج على الحاكم الظالم يندفع مع ذعره (وإيمانه) الى معاداة العالم كله والعمل على تدميره؟!… اما بقية خلق الله من المسلمين فضحايا هذا وذاك، وضحايا كل ذلك العداء الذي يستثيره هذان »المسلمان« في الدنيا ضد الاسلام واتباعه، سواء أكانوا في أفغانستان أم في نيويورك ذاتها أم في الطريق بين المدينة المنورة ومكة المكرمة؟!
من ينقذ الاسلام من المسلمين؟!
سمير عطا الله يكتب »السندباد« ليقرأ هارون الرشيد!
على امتداد أربعين عاما من الزمالة فالصداقة فالاخوة لم نعرف في سمير عطا الله الحسد والغيرة والكيدية حتى قرأنا له »أوراق السندباد« فاذا قلمه قد غادر الود والمؤانسة والدماثة، ولو الى حين، »ليشهّر« بمنافسه الخطير الذي كان قد استكان في قلب الحكاية فإذا به يعيد »إحياءه« ليصارعه فيغلبه!
وأخذنا نبحث عن الأسباب بين ثنايا هذا الكتاب علنا نحظى بجواب يقنع أولي الألباب فيسقط اللوم والعقاب..
لقد تعددت مجالات الكتابة التي رادها هذا الفتى المتحدر من »بتدين اللقش« في أفياء جزين، عروس الجنوب، مزودا بالصوفية الوطنية لجان عزيز، التي أقفلت دونه باب رئاسة الجمهورية، وملحمية بولس سلامة التي كادت تدخله الاسلام من باب الامام علي بن أبي طالب، ورسوخ الانتماء للارض وأهلها عند بطريرك الكنيسة المارونية بولس المعوشي، ومن خلفها جميعا المدار الفسيح للتراث العاملي الغني حيث يمتزج الفقه الديني بالظلم المعتق ليزهر الشعر فإذا البيت الواحد سوق عكاظ لمعلقات أفراد أسرته وأصهاره الميامين. تجاوز سمير عطا الله »الصحافة« بمعناها المهني المباشر الى فنون الكتابة الاخرى كمثل أدب الرحلات والرواية الأقرب الى النقش على جدار التاريخ، او اعادة تفسير ما سبق نقشه واختلفت العيون المغشاة بالمصالح في قراءته او تحديد معناه او المقصود به.
لكنه، وهو الذي جاب معظم ارجاء المعمورة، مستخدما مختلف وسائل السفر برا وبحرا وجوا، لم يستطع التخلص من »شبح« ذلك المغامر الاسطوري الذي استقر في مخيلات الاطفال والنساء والرجال، كنموذج فذ للبطل الذي يخرج من الحكاية ليفسح لك مكانا ترتاح فيه في مساحة ما بين الوهم والحلم.
لقد جرّب سمير عطا الله »الاوتوستوب«، والكونكورد الاسرع من الصوت، والجمبو الاقوى من قلعة، و»السنونوات« النفاثة الجميلة التي يقتنيها بعض أصدقائه الذين يشترون الوقت ليصطنعوا منه الذهب، كما جرب باخرة كل الناس ويخوت »الخاصة« والسيارات الفخمة و»البوسطة« و»السرفيس« بعد طول تجوال على الاقدام…
لكن »السندباد« روى ما لم يره »سمير« او لم يستطع ان يحول روايته الى حكاية… فكان ان حاول رحالة عصر الصواريخ والمركبات الفضائية ان ينزل »السندباد« من برجه العاجي في »الاسطورة« التي اصطنعتها مخيلات عديدة تنتمي الى ثقافات عدة تتقاطع في مجالات وتفترق في مجالات وتتكامل في الحكايات، وأكمل ما تقاطعت فتكاملت فيه وعنده هو شخصية هذا الرحالة، المغامر، الداعية، الشاعر، الساحر، الراوية، المصور وعالم النفس، شاعر الجغرافيا ورسام التاريخ المتميز.
أخرج سمير عطا الله »السندباد« من رحابة الخرافة المزركشة بالوقائع التاريخية المعادة صياغتها لتسهل روايتها وحفظها، وحاول ان يجعله مجرد موفد رئاسي، ومبشر بالرسالة، مجلل بمهابة هارون الرشيد، مسافرا الى شتى الانحاء فوق »غيمته« التي سيعود اليه خراجها حيثما أمطرت.
هنا مكمن السر: هارون الرشيد.
لعله البطل الاصلي للحكاية، حيث تتداخل الوقائع التاريخية مع الأساطير، وحيث تتداخل المآسي مع مباهج ازهى العصور في ظل أعظم أباطرة الكون، في عصره.
هارون الرشيد الهائل القوة، الممزق العواطف بين حبه لأمه وتهيبه لزوجته الاولى التي حين تأخرت في منحه ولي العهد زوجته جاريتها التي ستلد له من سيقتل أخاه، ابنها، غدا، وبين احترامه البالغ لأخته »العباسة« ذات الشخصية الفذة، والممزق مرة اخرى بين تقديره لأنصاره وحملة سيوفه من البرامكة وبين خوفه منهم وقد انتهى بالمذبحة التي انهت وجودهم وليس نفوذهم الرحب فحسب.
تتداخل الأساطير مع الحقائق، هنا، مرة اخرى… لكن سمير عطا الله الذي يعرف طريقه ينجز حكايته الطريفة التي كان يتمنى لو انه كان بطلها.
ولا يحتاج اي منا الى جهد كبير، لو عاد اليه القرار، في ان يختار ذلك الزمن المتوهج بالعز والمعرفة والكبر والنصر والمآسي ليعيش فيه.
وسمير عطا الله باعنا وهم العيش في ذلك العصر، عبر روايته اللطيفة عن بطل كل الحكايات في كل الازمنة وبكل اللغات الذي حكى للجميع ثم جاء »سندباد« عصرنا ليحكي عنه فيؤنسنه ويجعله مثلنا… ليتفوق عليه!
تهويمات
لم اكن اعرف عنوانك، فاتبعت شميم عطرك، فإذا أنا في بيت بمنازل كثيرة، عرفت كل سكانه ولم يعرفني احد.
كنتِ هناك، لكنني سهوت، فما نظرتك إلا عند باب الخروج: لا وداع للأحبة!
***
لم تأتِ بك الريح، ولم تأخذني إليك المصادفة. مشينا فوق السنين، وقلوبنا في عيوننا تبحث عن الأعياد في وجوه ابناء الحياة.
وها نحن على قارعة الطريق ننثر الفرح لكي يزهر الحب فيعرف كل عاشق عنوانه الصحيح.
***
نجلس على أرض اللقاء فتهرب منا الكلمات، ونترك للاسطوانات ان تعبر عن الوجد، غير منتبهين الى المفارقة بين ناظمها المشوق الى لقاء لا يتم، ومغنيها المحترق بجفاء البعد، وبيننا نحن وقد تجاوزنا الصوت الى دفء الصمت الحميم.
تشحب الاضواء، وتخافين من صدى الهمس، فتباشرين الثرثرة خارج اي موضوع، وتعم الفوضى فتداخلك الطمأنينة من ان الضجيج قد حجب الرغبة، او ارجأها… ثم سرعان ما تندمين وتستنجدين بالصمت المكسور، تجمعين فتات الكلام وترمينه من نافذة الضوء على المنسيين من أحبتك المتباعدين؟
***
تريدين أسماء إضافية في المفكرة المثقلة بالضحايا الذين هزمتِهم في ساحة الشهوة. تروين حكايات السابقين بتلذذ من لا يخسر أبدا، لربما تكسبين.
ها قد انطفأ الليل ورجع الينا الصباح بوجوهنا التي أتعبها السهر، وبذاكرتنا المهدودة بأثقال من عبروها.
من أين نبدأ حديث النهار؟!
لا تنفع الذكريات زادا لسفر طويل.
اما عنواني ففي قلب الصمت الذي يعقب القراءة الطويلة في رواية الغد التي تبحث عن قلمها العفي.
من أقوال »نسمة«
قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة الا الحب:
لا تحاول ان تعوض بشفقتك على المحروم من الحب. الحب أسمى من ان يعوض بالاحسان. لا بديل من الحب الا الحب. الشفقة تستولد الكراهية والحقد. المحب جبار قادر على تغيير الكون، فكيف سيرضى بصدقة يتبرع بها غيره وكأنه يتباهى عليه بنجاحه حيث فشل مع ذاته؟!