غزة ـ حلمي موسى
وفي اليوم الثاني والتسعين، أمل يكبر بانكسار العدوان وزوال الاحتلال وقرب تحقيق آمال شعبنا في النصر والحرية.
**
تدخل الحرب الصهيونية على غزة شهرها الرابع في ظل وضع معيشي مأساوي يعيشه الشعب الفلسطيني، خصوصا في قطاع غزة، ومآس إنسانية جراء بحر الدماء والدمار الذي يلفه.
ومن شدة الأذى الذي لحق بأهالينا جراء القصف المتواصل على مدى الشهور الأربعة الفائتة، لم يعد كثيرون يلتفتون إلى ما يحدث في أحشاء الوحش. فإلى الفاشية التي تطل برأسها في الداخل الإسرائيلي على المستويات السياسية والفكرية والثقافية، هناك العواقب الاقتصادية الهائلة التي يرزح المجتمع الإسرائيلي تحتها. وبعيدا عن كلفة الحرب المباشرة وغير المباشرة، هناك الآثار المعروفة على الجنود، وخصوصا القوات الاحتياطية التي تم تجنيدها، وعلى ميزانية الدفاع وعلى الميزانية العامة.
وقد بدأ ضباط الاحتياط، بوصفهم الجسم الأكبر في الجيش كما أنهم يشكلون نسبة كبيرة من قوة العمل المنتجة، بتوجيه انتقادات للمؤسسة العسكرية تتركز على ما يصفونه بحالة “انعدام اليقين” بشأن المستقبل، وغياب أي آلية لتعويضهم عن خسائرهم الاقتصادية الكبيرة.
ويحذر هؤلاء منذ الآن من أن طريقة تعامل الحكومة مع جنود الاحتياط ستؤثر على فرص تجنيد قوات الاحتياط في المستقبل. وينتقد ضباط الاحتياط في الكتائب الميدانية، بشدة، سلوك هيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي، حيث يزعمون أنه وبرغم استمرارهم في الخدمة الاحتياطية لمدة تتراوح بين ثمانين إلى تسعين يوما في المتوسط، “لم يتم عرض الخطة العامة للعام المقبل”، ولم يتحدث معهم أي من كبار القادة عن قرب انتهاء خدمة الاحتياط في المواقع القتالية. ويُضرّ ذلك بعائلاتهم لناحية احتياجاتهم المادية معيشيا وتعليميا، فضلا عن أنه يقضي على أعمالهم التجارية ومشاريعهم الخاصة.
وبحسب ما نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن مقاتلي الاحتياط وضباط الوحدات القتالية كان لديهم تقدير بأنه بعد شهر، أو بعد شهرين من القتال، ستقدم القيادة العليا لهم جداول زمنية واضحة للتسريح التدريجي من خدمة الاحتياط والعودة إلى الحياة الروتينية.
ويقول أحد الضباط: “لا أحد يريد أن يعيش في حالة من عدم اليقين. الواقع الأمني واضح. هناك مهام أساسية يجب الاستمرار فيها، ولكن في النهاية، جنود الاحتياط وأسرهم من البشر. من الواضح أنه لم يكن هناك من يتوقع أن تكون الحرب طويلة إلى هذا الحد، لكن عليهم أن يتصرفوا بشكل مختلف مع جنود الاحتياط. من هم الذين يفعلون ذلك؟ هل يحتاجونهم حقا؟ أخبروهم بما تخططون له. وأولئك الذين لا يفعلون شيئا، دعوهم يذهبون.”
في الوقت نفسه، ينتقد ضباط الاحتياط موقف الحكومة والجيش الإسرائيليين في ما يتعلق بالمزايا والمكافآت: “لم يلتحق أي من جنود الاحتياط بالخدمة بسبب المال أو أي منفعة أخرى، ولكن طريقة تعامل الدولة مع هذه القضية مخزية. على الدولة اتخاذ قرار واضح بشأن الاحتياط والالتزام به. هناك أعمال تنهار، وهناك جنود احتياط يسمعون قصصاً غير سارة من أسرهم حيث يتلقون شكاوى من أصحاب العمل، ويواجهون صعوبات مالية، فلماذا لا تقدم خطة واضحة للتعامل مع ذلك؟ لماذا يتم ذلك على مراحل؟”.
ويقول ضابط احتياط لموقع “واللا” إن “هذا السلوك يمكن أن يضر بتجنيد الاحتياط في الأشهر المقبلة. من لا يعامل جنود الاحتياط الآن بطريقة محترمة وشاملة سيعاقب”. أضاف “إنه وقت صعب للغاية لاستدعاء جنود الاحتياط إلى النشاط العملي في غضون أشهر قليلة. ويجب تقدير روح جنود الاحتياط وتمجيدها بأي شكل من الأشكال وعدم الضغط عليها حتى النهاية. في بعض الأحيان يبدو أنه لا يوجد تخطيط، وأنهم يعملون من أسبوع لآخر.”
ولكن هذا مجرد واحد من أبعاد جوهرية عدة توجه الاقتصاد الإسرائيلي العام، واقتصاد الجيش وميزانيته بشكل خاص. وهناك توقعات بأن تتضاعف ميزانية “الدفاع” خلال العام الحالي وأن تتضاعف حصة الأمن من الناتج القومي العام. وهذا ما أشار إليه المعلق العسكري في التلفزيون الإسرائيلي ألون بن دافيد في مقالة نشرها في معاريف تلخيصا للبيانات الاقتصادية خلال الشهور الثلاثة الماضية محاولا رسم معالم إسرائيل في الأعوام المقبلة.
وبحسب بن دافيد، تبلغ الكلفة المباشرة للحرب حتى الآن أكثر من سبعين مليار شيكل. “وفي الأيام الأولى، كان كل يوم قتال يكلف حوالي 1.4 مليار شيكل، والآن يكلف حوالي أربعمئة مليون شيكل. بالمعدل: حوالي 800 مليون شيكل يوميا من القتال. ولغرض المقارنة: في القتال ضد حزب الله في لبنان، من المتوقع أن يكلف كل يوم قتال حوالي ملياري شيكل. وإذا استمر القتال في غزة وفق الخطة الحالية وبكثافة منخفضة، وفي الشمال بقينا في موقف دفاعي فقط، فمن المتوقع أن تبلغ التكلفة المباشرة للحرب هذا العام حوالي 120 مليار شيكل. هذا بالإضافة إلى ميزانية الدفاع التي من المتوقع أن تتضاعف مرتين تقريباً: من 64 ملياراً إلى أكثر من مئة مليار.”
هذه الأموال مطلوبة في المقام الأول “لإعادة بناء الجيش، الذي أنهكه القتال حتى الآن، ولزيادة المخزونات، ومن أجل أبعاد أخرى صعبة وإنسانية أضيفت في الحرب: رعاية العائلات الثكلى والأسرى ومعالجة الجرحى. لقد أدى الحجم الهائل للضحايا إلى زيادة ميزانية إعادة التأهيل والأسر بنسبة خمسين بالمئة – من ستة مليارات سنويًا حتى 7 أكتوبر، إلى تسعة مليارات في بداية عام 2024، والمبلغ في ازدياد.”
ويشير بن دافيد إلى أن الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب “أوضحت للجيش الإسرائيلي أن أهم مسألتين بالنسبة له هما مخزون الذخيرة والمزيد من القوات المقاتلة. فالحرب في المنطقة المبنية في غزة تستهلك كميات هائلة من الأسلحة، وقد نقل الأميركيون إلى المنطقة حوالي 17 ألف طن من الذخائر من مخزوناتهم الحالية، وقد ارتفع الطلب على الذخيرة في العالم بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ويكافح المصنعون لتلبية الطلب المتزايد على القذائف والقنابل والمتفجرات”.
لن تتمكن إسرائيل من البقاء لفترة طويلة في حالة من الاعتماد الكامل على حسن نية الأميركيين، لذلك سيتم في العام المقبل افتتاح خطوط إنتاج الأسلحة الجوية والمتفجرات داخل الكيان، ووسيتم توسيع أنواع الأسلحة المنتجة في خطوط إنتاج المدفعية والدبابات. وسيتعين على الجيش الإسرائيلي أيضًا توسيع خطوط إنتاجه للدبابات وناقلات الجنود المدرعة، والتي أثبتت أهميتها الحاسمة في هذه الحرب. أما مجموعة المروحيات القتالية، التي كان من المفترض أن تنخفض قبل الحرب، فستتم زيادتها بعشرين مروحية سيتم شراؤها من الولايات المتحدة.
أما بالنسبة لمسألة حجم الجيش، فلا توجد حلول سحرية. ومن الواضح للجميع أن خطة تقصير الخدمة الإلزامية ستوضع على الرف، وستُطرح بدلاً منها خطة لتمديد الخدمة الإلزامية إلى 36 شهراً، على الأقل للجنود. وهذا من شأنه أن يمنح الجيش الإسرائيلي سبعة آلاف جندي إضافي سنوياً، نصفهم تقريباً من المقاتلين ـ وهو عدد لا يكفي لإنشاء لواء آخر مفقود اليوم، ولكنه يكفي لزيادة قوات الهندسة والمدرعات والمدفعية وقوات الدفاع عن الحدود، وهي القوات التي ترتفع الحاجة لزيادة عديدها.
ويتطلب استمرار القتال، الإبقاء على نظام الدفاع الجوي في حالة تأهب دائم، وسيتم نقل بعض جنود الاحتياط فيه إلى الخدمة الدائمة. كما أن نظام الإصابات في جيش الدفاع الإسرائيلي القائم على الاحتياط، والذي لم يكن مطلوباً منه التعامل مع مثل هذه الأعداد لمدة 50 عاماً، يجب أن ينمو ليصبح نظاماً دائماً.
كل هذا سيتطلب زيادة كبيرة في الاستثمار في الأمن، وذلك حتى قبل أن نتحدث عن حرب في الشمال. إذا استثمرت إسرائيل حتى السابع من أكتوبر حوالي 3.5% من ناتجها المحلي الإجمالي في مجال الأمن، وهو أقل قليلاً من الولايات المتحدة، ففي عام 2024 يجب أن يرتفع هذا الاستثمار إلى أكثر من 6%، عند المستوى الذي كان عليه في العام 2008. وسيكون من المستحيل القيام بهذا الاستثمار مع قيادة تفتقر إلى التفاف جماهيري، وتستثمر فقط في الحفاظ على ائتلافها وتهدر الأموال في مكاتب حكومية وهمية.
وسيتطلب هذا الاستثمار أيضاً إدارة محسوبة لتجنيد أفراد الاحتياط، بحيث تستمر الأجزاء المنتجة في المجتمع الإسرائيلي في إنتاج اقتصاد قوي والحفاظ عليه. لقد عاد بالفعل 100.000 من جنود الاحتياط الذين تم تجنيدهم في بداية الحرب إلى عائلاتهم وإلى العمل، ولكن في الوقت الحالي، لا يزال في الخدمة الاحتياطية 170.000 آخرين، ولن ينال التسريح سوى البعض منهم في المستقبل القريب.