(من وحي مناقشة الموازنة العامة لعام 2019)
لقراءة مشروع قانون الموازنة العامة والموازنات الملحقة للعام 2019 الفضل في تذكيري بالأسس التي تُبْنى عليها الدولة، أيّ دولة، ومنها الإستقلال والسيادة وتقرير المصير.
لقد ورد في الفصل الثاني من مشروع الموازنة تحت بند: تعديلات قوانين البرامج، في المادة الرابعة عشرة: تعديل قوانين البرامج، وبرقم 4 ـ قانون برامج في وزارة الدفاع الوطني، العنوان: قانون برنامج لإزالة القنابل العنقودية.. وما يليه من شرح بالأرقام. رأيت أن أقترح في هذا المجال الإيعاز الى جميع وكلّ الوزارات والجهات الرسمية في الدولة بعدم إغفال المعنى السياسي لأيّ موضوع قيد المعالجة تأكيدًا لكونه موضوع إجماع وطني.
لذلك أرى هنا واجبًا كما وفائدة وطنية الإشارة، لو باقتضاب، بأن القنابل العنقودية، المحرّمة عالميًّا، كان قد أطلقها العدو الإسرائيلي، بعد إقرار وقف إطلاق النار، على الأراضي اللبنانية بكمية تقارب المليون ونصف المليون قنبلة ما زالت مبعثرة وتنفجر كلّ فترة بالأهالي، شيبًا وأطفالًا، الأمر الذي يعطّل دخول أصحاب الحقّ الى أراضيهم والإستفادة منها بأي طريقة.
نعم نطالب الدولة اللبنانية، في هذه المناسبة وفي كلّ مناسبة، بأن تدين العدو وتدين عمله اللأخلاقي قبل كلّ شيء، وتدين معه الدول المصنّعة لهذه القنابل الممنوعة إنسانيًّا. على دولتنا أن تدينها كلّ عام، في كلّ موازنة ومناسبة، وأن تسلّط الضوء على وحشية العدو في عقيدته وعقليته وتصرّفاته. وللعلم فإنّ القنابل هذه لم يكن لها من هدف، لا إستراتيجي ولا عسكري، بل قذفت في ربوعنا لغايات محض إنتقامية وبهدف الأذيّة، ممّا يذكّرنا بما حصل في القصف الجوّي المتمادي على مدى أيام على مدينة دريسدن الألمانية في شباط 1945 في نهاية الحرب العالمية الثانية مع إستسلام ألمانيا والذي أودى بحياة مئات الآلاف من المدنيّين ولم يكن له أيّ من الأهداف التي يمكن تفسيرها.
ولأن الموضوع يعرض في سياق مندرجات الموازنة، أي المال، فنعطف كلّ ما سبق إقتراحه على مطالبة لبنان، من طريق وزاراته المعنية وحكومته وبواسطة المنظمات والمحاكم الدولية والعالمية المعتمدة، بتعويضات عن كلّ ما حصل من جرّاء هذا العمل (الإرهابي بامتياز) العدواني الإجرامي ،الذي يُعتبر من جرائم الحرب، فيطالب بمبالغ مالية كبيرة مستحقة على مستوى الإضرار في وتعطيل مساحات كبرى من لبنان لعقود سابقة ولأجيال ما زالت قادمة. وهذا من شأنه أن يرفد عجز موازنة الدولة المختلّة التوازن من جهة ويؤكّد حقّ لبنان من جهة ثانية ويجرّم أفعال العدو من جهة عالمية.
إن ما ورد في الموازنة بهذا الخصوص، يعيدنا بالذاكرة الى الوصف الذي قرأناه خلال رحلة البعض الى مؤتمر باريس 3 إبّان عدوان تموز 2006. كان قد سبق يومها وسمعنا المهلّلين لباريس 3 (وهل يذكّركم هذا بالمهلّلين بمؤتمر “سيدر” ـ تُقْرَأ: سَيَدُرْ… على البعض المعروفين منهم سلفًا) والمتأمّلين بضرورة إنعقاده وهم يقولون: “وقد أصبحت ضرورة ملحّة على أثر حرب تموز ـ آب 2006 المدمّرة وتداعياتها المأسوية على الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والمعيشية وعلى وضع المؤسّسات الصناعية والزراعية والسياحية والتجارية والمالية وعلى سوق العمل وعلى هجرة الشباب”. وكأن لم يكن هناك من دين عام أو عجز في الخزينة أو بطالة أو هجرة قبل ذلك التاريخ ؟.. ولكن هذا موضوع آخر.
والى جانب ما قرأناه يومذاك (ما سبق)، وفي سياق عرض تفاصيل مشروع باريس 3 نذكر تكرار الإشارة الى أضرار حرب تموز بما يفوق 30 مرة من دون ذكر العدو الذي تسبّب بهذه الكوارث. علمًا أننا كنا قد ذكّرنا بعض المعنيّين بوجوب الإشارة الى أفعال العدو كلّما ذكرت الحرب والإعتداء على لبنان والمطالبة بالتعويضات وما يتبعها من إجراءات دبلوماسية وقضائية وغيرها.
وبرأينا لم يفت الأوان بعد. وباسم المواطن اللبناني، المستقل، ومن منطلق السيادة نطالب من جهة أولى أن تُذكر جرائم العدو في نصّ الموازنة، وفي كلّ نصّ رسمي ذي صلة، وخاصة بواسطة أوراق وكلمات لبنان في المؤتمرات الدولية المخصّصة “لدعم” لبنان. ومن جهة ثانية يجب المطالبة بالتعوض عن أضرار الحروب والإعتداءات اليومية المتكرّرة أسوة بمطالبات العدو من دول ومجتمعات العالم كافة منذ قرون. وبشكل منفصل، يجدر التنويه بما فعلت وما زالت تفعله دولة اليونان، التي كثيرًا ما يطيب للمسؤولين اللبنانيّين المقارنة بانهيارها مع وضع لبنان هذه الأيام، فالبرلمان اليوناني ما زال يكرّر المطالبة، في كلّ دورة له، بتعويضات من ألمانيا النازية عن أضرار الحربين العالميتين في القرن الماضي.
وللتاريخ، نحن نطالب بما سبق من منطلق وطني، من صلب كرامة الإنسان، في سبيل السيادة، وخاصّة تحصيلًا للحق وليس أخيرًا من باب المحاولة في المساهمة في تحسين النتائج المالية للموازنة العامة.
على أمل أن ترى هذه المقترحات طريقها الى القراءة فالتنفيذ.