لما يصل النظام الجمهوري بعد إلى الوطن العربي..
ما زال نظام “الخلافة” هو السائد، وان اضيف اليه، شكلاً، بعض مؤسسات النظام البرلماني الديموقراطي كما هو معتمد في الغرب: مجلس نيابي، منتخب بالطائفية او بالدولار، او بهما معاً، ومجلس وزراء يجتمع ليصدق على قرار الرئيس ـ الملك، وادارات ومؤسسات مدنية وعسكرية مهمتها تنفيذ قرارات “السيد الرئيس”…
نادراً ما ارتضى أي رئيس للجمهورية في الوطن العربي أن يكتفي بولاية واحدة، لا فرق بين أن تكون مدتها اربع سنوات اوست سنوات.. فالتجديد مطلب معلن او مضمر لكل من تولى سدة رئاسة الجمهورية.
حتى في جمهورية الطوائف المؤتلفة على اختلاف، لبنان، فان اول رئيس للجمهورية بعد اعلان الاستقلال الشيخ بشاره الخوري، اصر على تجديد ولايته.. ولم يغادر القصر الا بثورة شعبية خلعته وجاءت بمنافسه كميل شمعون (العام 1952) الذي حاول هو الآخر التجديد، لكن ثورة 14 تموز 1958 في العراق جاءت بقوات اميركية من المارينز إلى بيروت، ثم تمت التسوية مع الرئيس جمال عبد الناصر ـ رئيس الجمهورية العربية المتحدة، بعد انضمام سوريا إلى مصر فيها وتم انتخاب قائد الجيش اللبناني اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية. ولقد رفض هذا الرئيس التجديد او التمديد برغم توفر الاكثرية النيابية لإتمام هذا “الانجاز”.
أما في سوريا فقد حكم الرئيس حافظ الاسد البلاد لمدة ثلاثين سنة متصلة (1970 ـ 2000)، وها هو نجله يحكم سوريا من موقع الرئاسة من سنة الفين وحتى اليوم..
..وفي العراق حكم صدام حسين من موقع “السيد النائب”، ثم من موقع رئيس الجمهورية منذ انقلاب 14 ـ 17 تموزعام 1968 حتى الاحتلال الاميركي في نسان 2003.
…وفي مصر حكم جمال عبد الناصر، كرئيس للجمهورية منذ العام 1956 وحتى وفاته في 28 ايلول 1970.. كما حكم انور السادات بعده مباشرة حتى اغتياله “على المنصة” في 6 تشرين الاول عام 1981 وبعده حكم حسني مبارك لمدة ثلاثين عاماً.. وها هو السيسي يحاول تمديد ولايته والتجديد (بقدر الاستطاعة)، والرئيس السوداني البشير يرفض الاكتفاء بعشرين سنة في الحكم، ويحاول التجديد او التمديد، برغم تصاعد الرفض الشعبي لاستمراره حاكما فرداً..
أما معمر القذافي فقد استمر يحكم ليبيا منذ الفاتح من سبتمبر (اول ايلول عام 1969 حتى اغتياله بطريقة وحشية في 20 تشرين الاول 2011).
..واخيراً، ها هو عبد العزيز بوتفليقة، رئيس الجزائر من 16 سنة متصلة يحاول تجديد ولايته، برغم انه مصاب بشلل نصفي، وهو يتحرك على كرسي نقال، ويكاد لا يحسن التعبير عن افكاره، الا بطلب التجديد!
ما الفرق، اذن، بين النظام الجمهوري (شكلاً) والنظام الملكي، بالنسبة للرعايا العرب طالما أن ولي الامر لا يغادر موقعه الا إلى القبر، الا اذا اسقطه انقلاب عسكري.
ما الفرق بين “صاحب الجلالة” و”صاحب الفخامة” و”صاحب السمو”؟!
انها فروق في الشكل، في حين أن المضمون واحد، حتى لو اختلفت تسمية النظام: ملكي، اميري، سلطاني (حتى لا ننسى عُمان) وجمهوري.
الحقيقة أن الحكام جميعهم “سلاطين” أيا كانت تسمية الدولة: مملكة، جمهورية، سلطنة او حتى إمارة..
والحقيقة الاكثر ايلاماً ومرارة أن الشعب العربي، في مختلف دوله، ما زال مجاميع من الرعايا، له حق الكلام والثرثرة والتشكي واللوم والتأفف، ولكن ليس له ـ ولا للمؤسسات المزعومة التي انشئت باسمه ـ حق المحاسبة.
هل حوكم، على مدى تاريخنا الحديث، ملك او رئيس جمهورية او امير مطلق الصلاحية على اخطاء بل خطايا ارتكبها خلال فترة حكمه (ما عدا بعض الاستثناءات المعدودة، والتي كان طابعها انتقاميا أكثر منه تصحيحاً وتطهيراً)؟!
هل كان في “الجمهوريات العربية” ما يمنع أي طامع او غاصب او عسكري طامح، من التقدم للرئاسة ومن البقاء رئيساً مخلداً للجمهورية حتى يأتيه الموت او يخلعه عسكري آخر، او تقوم في وجهه انتفاضة شعبية يصادرها العسكر ويحولها إلى انقلاب باسم “الثورة” و”تحقيق التغيير” الذي يطلبه الشعب..
إن حكامنا لا يخافون، لانهم حققوا إنجازاً تاريخياً غير مسبوق: لقد ألغوا بأشخاصهم الشعب، فصاروا هم “الامة”.. والامة خالدة، كما تعرفون!
تنشر بالتزامن مع السفير العربي