لكي نفهم ما الذي جرى ويجري في المفاوضات »الثلاثية«، السورية الأميركية الإسرائيلية لا بد من نظرة شاملة على خريطة المعادلات التي تحكم أو تضبط موازين القوة بين هذه الأطراف.
وهي مفاوضات »ثلاثية« فعلا، ولم تعد قط ثنائية، ويمكن تسجيل هذا الواقع كنجاح دبلوماسي للسوريين لا بد أن يعكس نفسه على احتمال الاتفاق الذي يفترض أن تنتهي إليه هذه المفاوضات.
ولعل هذا التطور المهم قد استولد معادلات جديدة، أو فرض إجراء تعديلات مؤثرة على مجمل المعادلات التي يمكن تعدادها بشكل سريع على الوجه الآتي:
1 أميركيù: لم تعد أهمية النجاح في إيصال المفاوضات على المسار السوري الإسرائيلي موضع نقاش بالنسبة للادارة الأميركية.
} إن ذلك النجاح هو »الورقة الانتخابية« الأهم التي قد توفر لبيل كلينتون فرصة الفوز بولاية رئاسية جديدة.
} لم تعد الادارة الأميركية تجادل في أن ما تم »إنجازه« حتى اليوم ليس هو »السلام في الشرق الأوسط«، أو أن تلك »المنجزات« مهددة دائمù بالسقوط، إذا ما فشلت المفاوضات على المسار السوري (واستطرادا اللبناني).
} إن إسحق رابين »ناخب أميركي كبير«،
لكن إسحق رابين ضعيف جدا الآن، وهو لن يصبح قويا بالقدر الكافي إلا إذا أنجز ما يمكن تسويقه على أنه »السلام الشامل«، الذي يمكن أن يفتح باب المنطقة، فعليا، أمام إسرائيل، ويريح بالتالي واشنطن.
إذù لا بد من تقوية رابين ليستطيع أن يكون ذلك »الصوت المرجح« في الانتخابات الرئاسية الأميركية.
} إن خوف رابين من الإقدام على »مغامرة السلام«، ولو كانت مكلفة مع سوريا، سيتيح المجال أمام »الليكود« لإلحاق الهزيمة به في الانتخابات الاسرائيلية.
إذù، لا بد من المغامرة، خصوصا إذا ما تعهدت له الادارة الأميركية بالدعم الكامل، بما في ذلك »التدخل« في اللعبة السياسية الداخلية الاسرائيلية، وصولا الى السعي لشق »الليكود«، إذا لزم الأمر.
2 فلسطينيù: من الواضح ان عرفات يترنح داخل وضعه المأزوم في غزة. ورابين لا يستطيع المخاطرة بسقوط ياسر عرفات، فإذا ما سقط تهاوت حكومة رابين، وإذا ما نجحت »سلطة الشرطة« في غزة بالقدر الكافي تأذى ملك الأردن…
أما إذا ارتاح ملك الأردن أكثر مما يجب تعب عرفات وتعب من يحمله.
وبرغم أن الأميركيين لم يكونوا طرفا في اتفاق أوسلو، إلا أنهم مضطرون لرعايته وتأمينه ضد السقوط حماية لرجلهم إسحق رابين الذي كشفت مسألة الأراضي التي صادرها داخل القدس الشرقية هشاشة وضعه الداخلي.
للمناسبة: لقد ردّ ملك المغرب على من »خذله« من الملوك والرؤساء العرب، ولا سيما الرئيس المصري حسني مبارك، بإعلانهم انتفاء الحاجة الى القمة التي كان دعا إليها، تحت عنوان القدس، ردا قاسيا،
لقد دعا ياسر عرفات ووزير خارجية إسرائيل شمعون بيريز، ورعى لقاءهما المطول، واتفاقهما الجديد الغامض، ليقول للآخرين انه وحده من يقرر إلغاء الدعوة أو استمرار الحاجة الى القمة، وأنه قادر وحده على إنجاز ما لم يكونوا بقادرين على إنجازه لو اجتمعوا.
3 سوريù: يدرك السوريون أهمية موقفهم وتأثيره البالغ على المعادلات القائمة، أميركيا وإسرائيليا وبالتالي مصريا وأردنيا وفلسطينيا.
وهم يعرفون ان الوقت لصالحهم، فهو قد جعلهم ناخبا كبيرا في الانتخابات الأميركية واستطرادا في الانتخابات الاسرائيلية، وهم يريدون »ثمن« هذه الورقة الانتخابية كاملا.
إنهم ليسوا الأقوى. لكن الآخرين ضعفاء بحيث لا يمكنهم رفض مثل هذا »العرض« المتوجب البت فيه خلال مدى زمني محدود.
وبالتأكيد فإن فاروق الشرع كان يشعر، في واشنطن، بأنه قوي بما فيه الكفاية لكي يقبل ما يراه مناسبا ولكي يرفض ما رأى فيه نوعا من الفرض الاسرائيلي المموَّه بالتغطية الأميركية.
وهو قد أفاد قطعا من انكشاف الضعف الاسرائيلي، ومن ثم الضعف الأميركي، ازاء قضية الأراضي المصادرة في القدس العربية.
كانت حكومة رابين معلقة على صوت الدراوشة،
وكانت الولايات المتحدة الأميركية مضطرة الى مواجهة أقرب أصدقائها العرب وكلهم من المندفعين مع السلام الاسرائيلي الى النهاية، وكذلك الى تحدي الارادة الدولية جميعا،
وهكذا فقد لجأت الى »الاحتياط الاستراتيجي« فاستخدمت أكره سلاح، أي الفيتو، لإنقاذ صديقها رابين… لكن هذا لا يمكن أن يتكرر كل يوم.
* * *
ما الذي حدث في واشنطن، إذù؟!
إنه ليس اتفاقا. لكنه خطوة مهمة على طريق اتفاق محتمل. لقد فُتح الباب مواربا. هذا لا يعني أن »القطار« سينطلق كما السهم، لكنه قد تحرك، وعلى طريق لم تنظف من الألغام والكمائن والمطبات العديدة والتي قد تعطل المسيرة والمسار..
وفي التقدير أن الخبراء العسكريين قد يحتاجون الى حوالى الشهرين، أي أنهم لن يفرغوا مما قد يطرح عليهم قبل أواخر آب المقبل، فإذا كانت المناقشات السياسية حول البنود الأخرى (الانسحاب، الجدول الزمني والعلاقات المستقبلية بين سوريا وإسرائيل) قد بلورت خطة عمل مقبولة، يصبح ممكنا توقع الوصول الى اتفاق في بدايات العام المقبل.
لكن السوريين يؤكدون وبإصرار: انه لن يكون »الاتفاق الرابع« (بعد المصري والفلسطيني والأردني)… وقد لا يكون النقيض، لكنه سيكون مختلفا، وبالتالي له تأثيراته الخطيرة.
وعلينا أن ننتظر بعض الوقت لتتضح أكثر صورة التطور في المعادلات القائمة.
* * *
هامش خارج الموضوع..
ماذا كان حدث لو أن البوسنيين هم الذين أقدموا على احتجاز ممثلي الشرعية الدولية والمجتمع الدولي واتخذوهم دروعا بشرية؟!
لقد أقدم صدام حسين على عمل أخرق من هذا النوع، ذات يوم، فضاع العراق…
لكن العراقيين ليسوا أوروبيين، وليسوا من الغرب.. أما الصرب فدمهم أزرق و… مقدس!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان