في ظل الحكومة التي يحتشد فيها أكثر الإسرائيليين تطرفاً، تتزايد خسائر إسرائيل البشرية، لا سيما في صفوف »النخبة« من وحداتها الخاصة، الكوماندوس كما في أنصارية الجنوبية في أوائل أيلول 1997، و»وحدة سييرت المظلية« كما في »برجة جبور« البقاعية، قبيل الفجر من ليل الأمس…
فتطرف نتنياهو لم يحل المشكلة التي ادعى أنه أقدر على حلها من بيريز المعتدل، علماً بأن ذلك »الاعتدال« لم يمنع شيمون بيريز من ارتكاب مجزرة قانا.
كذلك فإن »التطرف« لم يكن أقل غباءً من »الاعتدال«، وقد منعه الغرور المتعاظم من تقدير الكفاءة القتالية العالية للمقاومة، إضافة إلى روحها المعنوية المرتفعة والإيمان العميق لمجاهديها البواسل بأنهم أصحاب قضية، وما استولده ذلك كله من احتضان شعبي ورسمي في لبنان ومن إعجاب وإعزاز عربي (ودولي) جعلها مثلاً يحتذى..
أقصى ما توصلت إليه عبقرية وزير الدفاع الجديد، موشي أرينز، وهو المعلم الأول لنتنياهو، أن يعتمد سياسة »نيران أغزر من أجل إصابات أقل«، فسحب من المواقع المكشوفة معظم العناصر المقاتلة، وعدّل في مواعيد تبديل القوات، وحدَّد تلك العمليات في أضيق نطاق، ملزماً جنوده بأن يقبعوا في دشمهم المسلحة لأيام طويلة، مطلقاً العنان لطيرانه الحربي وللحوامات وللمدفعية لإحراق »المواقع المحتملة« لكمائن رجال المقاومة، بحيث يهربون من سيول النيران التي لا تتوقف والتي تفقدهم القدرة على المفاجأة، أو تجعلهم يموتون عبثاً أو ضجراً في مكامنهم وهم ينتظرون جنود العدو الذين لا يظهرون!
يتنهّد رئيس دولة إسرائيل عازر وايزمن وهو يتلقى نبأ العملية الجديدة للمقاومة التي قُتل فيها ثلاثة من الضباط المظليين من وحدة »سييرت«، وجرح فيها خمسة (على الأقل)… ثم يقول: يجب أن نخرج من لبنان!
على أنه ما يلبث أن يضيف »حكمة صغيرة جداً«: من دون سوريا لن نستطيع الخروج من لبنان!
لم تنجح المناورة السياسية المكشوفة التي أراد منها بنيامين نتنياهو أن ينقل »الإحراج« إلى الطرف اللبناني من خلال الادعاء بأن إسرائيل ترغب حقاً !! في تنفيذ القرار الدولي 425 لكن اللبنانيين متمسكون بالاحتلال!!
ولم تنجح المحاولات المتكررة لإشغال اللبنانيين بأنفسهم وتحريك الحساسيات الطائفية والمذهبية، تارة عبر التلويح بالعودة الى المشروع الجهيض »جزين أولاً«، وطوراً بتوسيع المطاردة حتى التخوم مع سوريا والتورط في »خطأ« ابادة عائلات كاملة، والأطفال أساساً، بوهم اشعار المقاومين ان لا ملجأ لهم، وأخيراً بالانتقال من الدفاع الى الهجوم بنصب الكمائن داخل الأرض المحررة واحراق هذه الأرض.. ومن وما عليها!
وها هي إسرائيل المختلفة داخلياً كل الاختلاف حول موضوع الانسحاب من لبنان تحاول حل المشكلة بتوسيع شريط احتلالها فتتقدم داخل الجرح اللبناني وتنفذ قواتها عملية اسر أرنون وأهلها الصامدين فيها، بذريعة »طرد« المقاومين او المتعاونين مع المقاومة منها.. في محاولة يائسة لحماية الاحتلال بالمزيد من الاحتلال!
ثم ها هي تدفع »بالنخبة« من مقاتليها داخل الأرض المحررة في البقاع الغربي، وهنا لحماية الاحتلال بسياسة الأرض المحروقة، لكن ذلك كله لا يفيد إلا في إعادة فرض الاحتلال الإسرائيلي كبند أول على جدول أعمال مجلس الأمن الدولي، برغم سيف الفيتو الأميركي المصلط عليه..
وأخيراً، ها هي إسرائيل تروج لمشروع خرافي جديد للانسحاب من لبنان على ان تأتي بحرس »عربي«، من بعض دول المغرب العربي، لحدود احتلالها ولأمن مستعمراتها التي تكاد تلتهم ما تبقى من أرض فلسطين… العربية!
ومؤكد ان مثل هذه المشاريع الملغومة او الوهمية ستتزايد مع ارتفاع حمى المنافسة الانتخابية بين المتطرفين والأكثر تطرفاً داخل إسرائيل.
على ان اللافت ان إسرائيل قد اسقطت من حسابها لجنة تفاهم نيسان، التي باتت أشبه ما تكون بعلبة بريد تودع فيها الشكاوى فيتم تسجيلها وفرزها، ومن ثم يعطى ايصال بالاستلام وتنام اللجنة كمن أدى قسطه للعلى..
ولعل في جملة أفضال عملية بركة جبور انها قد تنقذ لجنة تفاهم نيسان، او انها قد تكشف انتهاء دورها وضرورة العودة الى المرجع الشرعي: مجلس الأمن، حتى لو كان مغلولاً بالفيتو الأميركي.
وإذا كان نتنياهو يحاول او يريد ان يثبت نجاح سياسته المتطرفة في لبنان وعبره، فان العكس ممكن، بل لعله الاحتمال الأقرب بشهادة الدم الذي لا يمكن تزويره!
وبركة جبور تتسع لكل »النتنياهويين«.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان