لكي يلتقي فيتحاور المؤتمرون العرب
طلال سلمان
في زمن مضى كان العرب لا يلتقون الا ليتعاركوا،
أما اليوم فان العرب يلتقون ولا يلتقون، حتى لو جمعتهم صورة واحدة.
كانت الندوات ذات الطابع السياسي او الحزبي او الفكري تتحول، اذا ما انعقدت بكامل نصابها، الى أرض معركة، ينقسم فيها المدعوون جبهات متخاصمة ووسطاء خير يتجولون بين أطراف النزاع في محاولة للتوفيق بين المواقف بحذف المواقف وتسطيح البيان المشترك بحيث يخرج على الناس خاليا من أي مضمون،
في البداية كانت الانقسامات تتسم بطابع عقائدي: القوميون في جانب والماركسيون في جانب و»الانعزاليون« والقطريون او الكيانيون في جانب آخر… وغالبا ما كان هؤلاء جميعا ينتظمون في جبهة واحدة مقابل »القوميين«،
ثم بدأ الفرز الأيديولوجي داخل القوميين، فانحازت كتلتهم العظمى الى اليسار، وقالت بالاشتراكية بعدما تبناها جمال عبد الناصر واعتمدها سياسة رسمية، وكانت قبل ذلك ترد في خطبه او في أدبيات الاحزاب القومية كأفكار أولية أقرب الى الطوباوية او كدعوات الى العدالة الاجتماعية، من دون تحديد.
نشأ تحالف جديد بين القوميين (ناصريين وبعثيين وقوميين عرب حركيين ) وبين الشيوعيين الكلاسيكيين (بعدما كان خرج من صفوفهم »التروتسكيون« وأنصار الثورة الثقافية في الصين و»المتطرفون« اجمالا)، في حين توارى »الكيانيون« او تلطوا خلف حركة »فتح« خصوصا بعدما قفزت من الثورة الى قيادة منظمة التحرير الفلسطينية.
على ان التحول الأخطر ان »الانظمة« قد احتلت الساحة مغيبة المناضلين العقائديين في حين تحول الحزبيون الى حكام، على طرفي الجبهة،
دخلت الانظمة بأجهزتها وإمكاناتها المادية والاعلامية الى ساحة العمل الحزبي والفكري (وضمناً الثقافي) فأفسدتها،
صار للمناضل رتبة وراتب او مخصص او »تفرغ«،
وتحول المفكر بعامة الى داعية للنظام، وإلا فعليه ان يخرس او »ينشق« فيخرج الى حماية النظام الآخر، الذي يهتم باستخدامه سياسيا اكثر مما يهتم بتأمين الحرية لإبداعه،
وفي الحالتين كانت الحياة الحزبية تندثر محولة النضال الى ذكريات، اما الحركة الفكرية التي نشطت خلال رحلة البحث عن الذات ثم خلال مواجهة التحديات التي طرحتها وكان لا بد ان تطرحها مسؤوليات الحكم التي تولاها حزبيون وبات عليهم تبرير انقلابيتهم بتأكيد إخلاصهم لطموحات الجماهير وقدرتهم على صياغة البرنامج السياسي الاجتماعي الملبي لاحتياجاتها.
كان لا بد من الاستغناء عن الدبابة وعن الكاكي، والاقتراب من »الشعب« والتخلي عن لغة البلاغات العسكرية، ومحاولة اسباغ طابع عقائدي على الحكم ولو بتلفيق متزاوج بين بعض المفاهيم أو المقولات الاشتراكية والدينية ذات المضمون الرأسمالي ومن دون القطع مع المقولات التي تقدس الملكية والحرية الشخصية الخ.
وتوالت الانشقاقات الحزبية وتبعثرت صفوف المفكرين، لاسيما »الرسميين« منهم، ونشأت تحالفات جديدة غير منطقية، من حيث المبدأ، ولا تبررها الا مصالح الانظمة.
مع مرور الأيام فقد المفكرون، بأكثريتهم الساحقة، الوهج الذي كان لهم،
ولعلهم قد فقدوا، هم أيضا، إيمانهم بالأنظمة التي يمثلون، بمقدار ما لاحظوا، ولو بصمت، إنحرافها عن تمنياتهم وبرامجها المزعومة.
* * *
اليوم، يكاد ينعدم الحوار على المستوى الفكري، في الوطن العربي،
صار لكل مفكر تصنيفه الثابت، يحمله معه حيثما ذهب، حتى وان كان شخصيا قد غادره.
خرج الكل، تقريبا، من انتماءاتهم الحزبية او العقائدية السابقة الى اجتهادات تحاول التوافق مع ما طرحته تحديات التحولات التي هزت العالم في ربع القرن الاخير، والتي بلغت ذروتها بانهيار الاتحاد السوفياتي والمعسكر الشيوعي.
لم تعد اليسارية مدعاة للتباهي، خصوصا اذا ما صنفت حزبيا،
وباتت القومية أشبه بتهمة يحاول اصحابها التبرؤ منها، او تحريف مضامينها من جديد، ونحو »اليمين« هذه المرة، بعدما كان التحريف الأول نحو اليسار،
وغام مفهوم »الوطنية« في ظلال العولمة والهزائم التي منيت بها حركة التحرر الوطني او الثورات الوطنية التي حررت الكثير من الأقطار، في الستينيات على وجه الخصوص، في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية،
عادت معظم »الأنظمة« الى حظيرة »الهيمنة الاجنبية« لتضمن بقاءها، وتاه المفكرون بين قديمهم المنسي وجديدهم الطارئ الذي أوقفهم على باب »نهاية التاريخ«.
* * *
ليس اكثر من المؤتمرات العربية وليس أقل من الجدوى التي يجنيها المواطن العربي،
ان المفكرين وكبار المثقفين يمضون معظم وقتهم في صالات الترانزيت في المطارات ينتقلون من طائرة إلى اخرى، او في الصالات المكيفة للفنادق الفخمة، حيث يقرأون أوراقهم ببلادة من يفتقد الجمهور، او يناكفون أقرانهم لإضفاء بعض المعنى على حضورهم.
اضافة الى المؤتمرات صار للكتاب مواسم تقام فيها المعارض دورياً، وفي بلد مثل لبنان يقام الى جانب المعرض العربي معرض آخر دولي، ناهيك بالمعارض الجهوية او الفئوية الثابتة والنقالة والدائمة..
وتتبدى المفارقة مضحكة مبكية: فحيث لا يبيع الكتاب الناجح، او المهم، عموما، اكثر من ثلاثة آلاف نسخة، لجمهور يتجاوز تعداده المائتي مليون نسمة، تتوالى معارض الكتب فإذا الاكثر مبيعا هي تلك التي لا علاقة لها بالغد او بالثقافة عموما.
يتلاقى المفكرون فلا يتحاورون: يجامل بعضهم بعضا، او »ينم« بعضهم على بعض، او يشهّر بعضهم ببعض، او يتجاورون وهم يشهدون مهرجانات فولكلورية او حفلات غنائية تقام على ترفهم، او يتزاحمون وهم يتقدمون للسلام على رعاة المهرجانات او المؤتمرات او مموليها، وهم في الغالب الأعم من الحاكمين او ممن ينوب عنهم.
لقد بات يؤخذ على المفكرين والمثقفين العرب »الكبار« انشغالهم عن الانتاج بكتابة الخطب او »الأوراق«، وتطلق عليهم تسمية »المؤتمرين«،
كما ان ثمة من يتهم الغالبية من المفكرين العرب بأنهم قد تحولوا الى »صيادي جوائز«، وانهم يكتبون وعيونهم على الجوائز القيمة التي يمنحها هذا المتمول او ذاك ممن أفاقوا على الثقافة متأخرين.
* * *
كيف السبيل الى إحياء الحوار بين المفكرين العرب؟!
من المؤكد ان صيغ المؤتمرات والندوات كما تعقد حاليا لا تحقق الغرض المرجو منها ولا تنشئ مؤسسة لحوار جاد حول الهموم الحقيقية او التطلعات الفعلية للمواطن العربي، بحيث يؤدي المفكر دوره الرائد في خدمة مجتمعه.
قد يقول قائل ان المفكرين لا يستطيعون ان يعيشوا إذا هم ذهبوا مع أفكارهم مذهبا لا تقره أنظمة الحكم القائمة في أقطارهم، ولا يستطيعون ان يفكروا اذا هم عاشوا معها ولها وفيها كما تريد لهم او تطلب منهم.
وهذا غير صحيح بالمطلق، وان كان ينفع عذراً،
ولعل اقتراحا بتنظيم مؤتمر شامل لجميع المؤتمرين العرب ينفع في تحديد رؤوس موضوعات للحوار… خصوصا وقد ضاقت مساحة الخلاف بين المفكرين، وباتوا بمجموعهم يعترفون بالأزمة التي قد يكونون بين صناعها كما هم من ضحاياها.
على حافة الضوء
في لحظة فرح هبط ليل الأحزان فأطفأ نور العيون وأخذنا الى وهدة العجز.
تلد الظلمة النور، والألم معبر إجباري الى الحياة… إليكِ.
تتوارى الأماني مخلفة أجنحتها المتكسرة أهداباً مبللة لعيون جفّف السهد ماءها وأذبلتها هواجس البدايات الجديدة.
تظل الأشجار واقفة حتى لا تفقد العصافير مأواها ولا يضيع الحب عنوانه فيخسر الأطفال حروف أسمائهم المطرزة باللثغة المبهجة.
ليفسح الهرم الطريق أمام مواكب الفتوة
لا يبطئ الزمان ولا يستعجله الإلحاح، والشيخوخة تصدر من داخل ولا تنتظر مرور الأيام. يشيخ من لا حب له، يصيب الهرم من يسكنه الفراغ او الخوف من الذي لم يكن.
يمتشق الصبا إشراقته ويرصف الأرض بأحلامه ثم يمشي متهاديا نحو أهدافه ليصنع غدا بمثل بهائه،
تحمل الفكرة البكر والدها على وهجها وتدفع العالم بقدرتها على تجديده،
تنحطم الأيام وتتناثر هباء، ويدور البؤساء يشترون ساعة من زمان لعلّ يكون فيها العوض أو الترضية،
زمانك لك ان لم تأخذه بيمينك ضاع وأضاعك،
لا يأتي الخوف من خارج. في الداخل يكمن ومن الداخل ينقضّ على المستسلمين بلا حرب.
كيف تجيء الهزيمة إلى عيني النهار؟!
كيف والإرادة منارة يتسلل الضعف فيقرض الفكرة البكر، ويئدها في قلب الخوف؟
… وأنت من يخيف الخوف، كيف تخاف؟!
وأنت من هزم الهزيمة، كيف تعلن هزيمتك ولا قتال؟!
وأنت من تضيء بنورك الدنيا كيف تغتال بيديك الشمس حتى الانطفاء؟!
تدخل إلى الظلام بقدميك وتقفل الباب خلفك ثم تلوم زمانك لأنه تركك خارجه؟!
ولكنك الزمان.. بك يبدأ ومعك يمتد وإليك مآله.
ننتظر عند بابك لنسلمك أعمارنا فتكون زماننا.
خذنا لنكون بك.
أنا أحب إذن أنا إنسان..
يسبح الحب في بحر الصمت، يشيع الدفء وتنبت في مواطئ أقدامه الورود، وتستمد منه العيون بريقاً فيه ذلك المزيج من الرغبة والدعوة والتمنع والوعد بالأكثر.
الحب صامت والمحب ثرثار.
الكلمة فسيحة الأرجاء، لكن مدى الصمت أرحب، الصمت أفصح وأبلغ من عيون الكلام، خصوصا حين يمتد مصطنعاً خميلة لمن أتخمهم العشق فسافروا فيه متوغلين داخل أحلامهم.
من عاش خارج حبه أصابه الهرم واستهلكته الشيخوخة، أما من ظل داخل دفيئة حبه فان العمر يتلطى عنده ليظل مزهراً وندياً.
العمر ليس السنين.
العمر مع الحب مدى مفتوح يتقطر نداه فيكسب الحياة روعتها ويجعلها لائقة بإنسانها.
أنا أحب، إذن أنا إنسان،
أنا أحب، إذن أنا أحيا.. وأحيي ما بين الربيعين.
شمسان للصباحات
للناس شمس واحدة، وشمسان تصنعان صباحاتي،
قبيل الثامنة تهل فتنهمر الحياة نهراً من البهجة والرواء والبشائر،
ترسم للصباح وجهه ثم تنثره مع كركرة ضحكاتها وجملها التي تعيد اصطناع اللغة فتخففها من أحرف العلة وتضفي على الأسماء الجامدة حرارة تجعلها تتقافز كالحساسين في الغرف التي ستستحيل بحيرات من الضوء وعطر الورد وقد كان محتجزاً خلف النوافذ المقفلة.
تخرج الحياة من سكونها. تعيد اكتساب الإشراقة التي كانت قد ذهبت بها »الأخبار«. لنتحمل قتامة اليوم. ها هو الغد يغمرنا بملامحه الجميلة ويطير بنا الى الوعد.
ليس وقت الحساب لنسائل أنفسنا عما أعطينا.
لنهتم بحماية هذا الغد الواعد.
لنحفظ له من جهد أيامنا ما يستحقه.
لنحفظ له من الصح والجمال والخير ما يحفظنا فيه ويحميه منا.
من أقوال »نسمة«
قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة الا الحب:
لا يرضى المحب بأن يقتبس من غيره، لكل حب سيرته الخاصة. كل محب يزعم لنفسه انه انما اخترع الحب. يقرأ غزل الشعراء فيتوهم أنهم إنما نطقوا بما كان سيقوله في أي حال. يسمع أغاني الحب فيعتبر ان هؤلاء ما غنوا إلا له، او ان كلامهم لم يكتسب المعنى إلا به.
الحب يمنحك الشعور بأن الدنيا تعيش بهجتك، وان الناس جميعا يستمدون فرحهم من سعادتك الغامرة. الحب يجعلك سيد الكون ويقربك من الناس إذ يجعلك نموذجا لما يتمنون أن يكونوه.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان