في ماضي الشباب والحماسة والاحلام كنا نتجاوز “الحدود” بين “دولنا” العربية، وهي الحدود التي لم نعترف يوماً “بشرعيتها”، بل كنا نراها من صنع الاستعمار (الذي صار يكنى بـ”الامبريالية” في ما بعد)..
وبعد موجة من الاحزاب والحركات السياسية الكيانية مغلفة بالطائفية، مع استثناءات محددة ومحدودة (الحزب السوري القومي الاجتماعي وبعض الارهاصات بحركة قومية جامعة) أعلن في دمشق عن تشكيل حزب البعث العربي بقيادة ميشال عفلق والذي ستضاف إلى الاسم كلمة “الاشتراكي” مع انضمام أكرم الحوراني اليه.
ثم انبثقت “حركة القوميين العرب” من جمع تنظيمات ثورية الاندفاعة بتأثير النكبة العربية في فلسطين بقيادة الدكتور جورج حبش ومعه الدكتور وديع حداد، وهما من خريجي الجامعة الاميركية في بيروت، وكانت ظهرت ـ بداية ـ عبر “حركة الثأر” كرد فعل فوري على الهزيمة العربية في فلسطين واقامة “دولة اسرائيل” فوق بعض ارضها.. قبل أن تتمدد مساحتها لتشمل ارض فلسطين جميعاً، وهضبة الجولان في سوريا، وبعض الجنوب اللبناني عند الحدود مع “الكيان الاسرائيلي” الذي قام بالقوة، وامكنه بالدعم الغربي المفتوح (بريطانيا بداية، ثم الولايات المتحدة، مع “تعاطف” روسي تجلى عند التصويت في الامم المتحدة على قيام دولة اسرائيل فوق الارض الفلسطينية في العام 1949).
تم تشريد شعب فلسطين، بعد طرده من ارضه بقوة السلاح والخيانة العربية.. ثم جرى توزيع عائلاته، بالنساء والاطفال والرجال على الدول العربية التي بالكاد كانت قد نالت استقلالها (لبنان لتداخل حدوده مع فلسطين، وسوريا التي طالما اعتبرت فلسطين بعض ارضها.. كما على امارة شرقي الاردن التي اقتطعت من الارض السورية لتكون للأمير عبدالله ابن الشريف حسين الذي كلفه الانكليز بإعلان “الثورة العربية الكبرى”، وكان الجنرال غلوب باشا (ابو حنيك) قائد جيشه الذي “سيتصدى لتحرير فلسطين”!! فيصير الامير ملكا، بعد اقتطاع الضفة الغربية من فلسطين، لتصير ضمن الاردن الذي سيصير مملكة هاشمية على الضفتين الفلسطينية والسورية (باعتبار أن ارض تلك الضفة سورية اصلاً وسكانها سوريون، قبل أن يأتي “الأمير” عبدالله بالحرس الملكي من الشركس او القوازق المميزين بالشعر الاشقر ورطانة النطق بالعربية..).
ما لنا وللتاريخ، فهو متعب، خصوصاً بانعكاسه على الجغرافيا.. العربية!
فأما الجغرافيا المزورة بقوة المستعمر فقد ابتدعت للمنطقة العربية تاريخاً جديداً كتبت فصوله بالنفط والغاز.
ظهر النفط في العراق، تحت الاحتلال البريطاني، اولاً.. وقد ابتدع خبير ارمني صار اسمه “مستر فايف برسنت” أي خمسة في المائة، بعدما نال حصة خمسة في المائة من دخل ذلك النفط التي تولت استخراجه شركة بريطانية: I. P.C أي “شركة نفط العراق”. وقد كلف جره إلى المصفاة التي انشأتها هذه الشركة في منطقة “الدعتور” شمالي طرابلس انقلابا عسكريا هو الاول في تاريخ سوريا التي كانت قد خرجت للتو من إسار الانتداب الفرنسي (1949 ـ بقيادة الزعيم حسني الزعيم ـ وللمناسبة فهذا “الزعيم” هو من سلم انطون سعاده مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي إلى السلطة اللبنانية ممثلة برئيس الجمهورية آنذاك، الشيخ بشاره الخوري، ورئيس حكومته رياض الصلح، فتمت محاكمة سعاده خلال ساعات الليل، قبل اعدامه فجراً… ثم بعد فترة قصيرة تم اغتيال رياض الصلح، في الاردن، قبل أن يتم اغتيال الملك عبدالله (عند باب المسجد الاقصى في القدس بعد ادائه الصلاة فيه)..
ها هي دولة العدو الاسرائيلي تدعي ملكية هضبة الجولان السورية المحتلة.. ويقول رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو انه سيبني في الجولان استراحة خاصة للرئيس الاميركي دونالد ترامب في الجولان اعترافا بفضله العميم على اسرائيل، وآخر فصوله اعترافه “بملكية” اسرائيل لهذه الهضبة السوري المطلة على بحيرة طبريا.
(هامش: في جولة المفاوضات الاخيرة، في جنيف بين الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون والرئيس السوري الراحل حافظ الاسد، فوجئ الحاضرون جميعاً بتوقف المفاوضات، بعد دقائق معدودة من افتتاح الجلسة الأولى، لان الرئيس الاسد أصر على ملكية الجولان، وللتدليل على صحة منطقه قال لكلينتون: كيف تطلب مني التخلي عن بحيرة طبريا، وقد كنت اسبح فيها وانا نقيب في جيش بلادي لحمايتها من احتمال التوسع الاسرائيلي وضم هذه البحيرة ومعها هضبة الجولان إلى كيانه المعادي، وعلى حساب سوريا والعرب جميعاً؟!)
اليوم، صار النفط “العربي” اعظم فتكا بالاستقلال والحرية واحلام الوحدة العربية، من اساطيل الطيران والصواريخ عابرة القارات والجيوش الحديثة بالطائرات والمدفعية واسلحة القتل الجماعي..
لقد انحازت دول النفط والغاز العربية إلى العدو الاسرائيلي عبر تبعيتها العمياء للولايات المتحدة الاميركية (أي الامبريالية الاميركية وهي اشد فتكا وخبثاً من الاستعمار القديم ـ فرنسا وبريطانيا وهولندا.. فضلاً عن السلطنة العثمانية).
إن بين هذه الممالك والامارات العربية وبين الولايات المتحدة الاميركية تحالفاً استراتيجياً راسخاً، على قاعدة أن واشنطن هي الحامية وهي الضامنة لاستمرار الاسر العربية حاكمة، واستمرار تدفق النفط والغاز إلى الدول التي تحتاجه.. مع الاشارة إلى أن معظم هذه الشركات اميركية، كما أن الاساطيل التي “تتنزه” في المياه العربية، وقناة السويس ضمنا، اميركية بالكامل او لدول عربية تابعة للنفوذ الاميركي.
ومن البديهي أن يشمل هذا التحالف (بالأمر) بين دول النفط والغاز العربية والولايات المتحدة دولة العدو الاسرائيلي الذي يتحدث الآن عن استكمال احتلاله معظم فلسطين وترك قطاع غزة لدولة من كرتون فقط، رهنا بالتفاوض مع الفلسطينيين ومعهم مصر، مما يثير غضب ملك الاردن بالخوف ليس على ارضه بل على عرشه اساساً.
… ويا فلسطين جينالك
جينا وجينا.. جينالك..
جينالك لنشيل حمالك!
تنشر بالتزامن مع السفير العربي