تفرق العرب أيدي سبأ، بل انهم يتواجهون الآن في ميادين الخصومة حتى الحرب:
ـ السعودية ومن معها في حرب مع الامارة المن غاز، قطر، وهي ايضاً في خصومة مع سوريا، وبالكاد باشرت انفتاحها على العراق..
ـ العلاقات بين مصر والسودان متوترة، والخلاف على الحدود بين الدولتين اللتين كانتا تحت حكم عرش واحد: “ملك مصر والسودان” ينذر بالتفاقم.
ـ ليبيا قد اندثرت كدولة واقتطعت بعض القوى الدولية مناطق نفوذ فيها، قواها السياسية الوليدة لا تتلاقى ولا تتفق على مستقبل هذه البلاد شاسعة المساحة والغنية بثروتها النفطية.
ـ الجزائر عزلت نفسها تحت قيادة رئيسها الميت ـ الحي عبد العزيز بوتفليقة الذي ما زال قادراً على عزل رئيس الوزراء واستبداله بآخر كل ثلاثة أشهر، بينما هذه البلاد الغنية تواجه مخاطر تفجر الخلافات بين ورثته من الاقرباء والخصوم.
ـ أما المغرب فقد حوله الملك الحالي محمد السادس إلى مصيف لأهل النفط من الملوك والامراء وشيوخ النفط العرب.. وارتاح!
ـ فأما العراق فقد خاض حربه المفتوحة ضد “داعش” الذي كان تنظيمه الارهابي يحتل اكثر من نصف مساحته الشاسعة بعنوان الموصل، من دون أن يجد نصيراً عربياً، فتقدمت الولايات المتحدة الاميركية والجمهورية الاسلامية في ايران إلى نجدته.. بالثمن!
ـ وها هم الاكراد فيه بقيادة مسعود البرازاني يندفعون بإصرار عنيد نحو الانفصال عن دولتهم العراقية لينشئوا كيانهم السياسي الخاص متجاهلين “نصائح” الدول جميعاً، لا سيما من تملك تعطيل هذا المشروع، تركيا وايران، فضلاً عن العراق نفسه الذي كان اعطاهم ـ مع الحكم الذاتي ـ المشاركة الفعالة في حكومة بغداد وبحقائب اساسية فيها، بينها وزارة الخارجية ثم وزارة المالية الخ..
ـ فأما سوريا فقد تُركت وحدها تواجه اشتات المعارضة، وبينها “داعش” و”القاعدة” وما تفرع عنهما من منظمات ارهابية حجبت “المعارضة المدنية” بشعاراتها السياسية وحولت الصراع السياسي إلى حرب اهلية جاءت “بالدول الصديقة” اليها، إيران في البدايات ثم الروس بطيرانهم وخبرائهم العسكريين واسطولهم البحري و”لجان المصالحة” التي ساعدت على الفصل بين الاكثر تطرفاً والمعارضة السياسية تمهيداً لحل سياسي يحفظ وحدة سوريا ونظامها ولو بإصلاحات جدية على هيكليته وموقع حزب البعث (ومن ضمنه الجيش) فيه.
ـ ..وأما لبنان المشغول بنفسه وبالصراعات السياسية على المواقع والمغانم في دولته التي تعاني من ازمة اقتصادية حادة، فقد عطلت الخلافات بين قوى الائتلاف الاضطراري في الحكم دوره كوسيط عربي مقبول، او اقله “كمهدئ”..
ـ وأما فلسطين التي انشغل الجميع عن قضيتها المقدسة وعن العذاب الذي يبلغ حد القتل اليومي والاعتقالات الجماعية، فمتروكة للريح وللخلافات والحساسيات التنظيمية والاحقاد وكل ما يستولده العجز من اسباب الفرقة..
يجيء الرئيس الاميركي دونالد ترامب إلى زيارة رئيس سلطتها العاجزة التي ليس لها من السلطة إلا حرس الشرف الرئاسي، ويذهب إلى حائط المبكى في سابقة خطرة وسط صمت عربي مريب..
أما فلسطين هذه فمهددة بانقسامات جديدة، اذ ثمة من يسعى لفصل غزة عن الضفة، المفصولة اصلاً عن فلسطين 1948.. ويكثر الكلام عن مشاريع المنشق محمد دحلان، ويوجه البعض الاتهامات إلى مصر بانها تدعم مشروعه الانفصالي، او اقله لا تمانع في اتمامه..
بالمقابل لا يتعب شبانها وصباياها والكهول من التظاهر احتجاجاً على مدار الساعة، وقد يسقط في صفوفهم الشهداء فيحملون الجثامين ويكملون المسيرة نحو الاقصى الذي باتت صلاتهم فيه محرمة عليهم.
ـ ويبقى أن نستذكر اليمن التي يكاد شعبها يُباد بالكوليرا اضافة إلى “حرب الاشقاء” التي تكاد تدمر معالم العمران فيها.. ولا نجد بعد ثلاث سنوات من القتل وسيطاً عربياً يحاول وقف المذبحة.
أن المنطقة العربية تعيش خارج السياسة: بعض دولها غارقة في احقاد حكامها وخلافاتهم على مواقع النفوذ والمراتب الملكية والاماراتية والجمهورية، في حين تكاد قضايا شعوبهم ومطالب الحرية والاستقلال والتقدم تتساقط صرعى برصاص جيوشهم او “الجيوش الصديقة” او “العصابات الارهابية” التي ملأت الارض بمقاتليها الملثمين كأنما انبتتهم صحراء الاهمال والسلطة التي تلغي شعبها.
إن العرب يقاتلون العرب: في اليمن كما في سوريا، وفي الجزيرة والخليج، وفي دول شمالي أفريقيا.. فمن اين يجيء الغد العربي؟
تحولت جامعة الدول العربية إلى مأوى عجزة..
وتبخرت مشاريع الوحدة والاتحاد، وتحولت القمة العربية إلى ميدان تنافس على الزعامة بين اصحاب الجدارة التاريخية والسياسية وبين اصحاب الثروات التي يرفع بها النفط او الغاز من يشاء ويذل من يشاء..
لم يعد بين الدول من روابط جدية الا المنسي والمتروك للريح من موروثات الماضي.
صارت واشنطن هي المرجع للعرب في مختلف شؤونهم من الحرب إلى التجارة وسائر المصالح إلى تسليح جيوشهم وقواهم الامنية، بل أن واشنطن تقرر اسعار عملاتهم بالقياس إلى دولارها، كما انها مقصد طلابهم الباحثين عن مستقبل أفضل.. بل انها مقصد الناس العاديين للحصول على جنسيتها المذهبة والقادرة على فتح الابواب العربية، اساساً، ومن ثم الاجنبية لطالبي العمل بشهاداتهم التي لا تفتح لهم طريق المستقبل في بلادهم.
اندثرت الروابط الطبيعية بين الدول العربية، او هي في طريق الاندثار يستوي في ذلك تبادل الخبرات (الاساتذة والمهندسون والاطباء والطلاب) او العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري، وقامت السدود والحواجز بين الدول الشقيقة والجارة.. وصارت زيارة أي مسؤول لبناني ـ مثلا ـ إلى سوريا مصدر ازمة سياسية داخلية، اما فتح الحدود المقفلة بين السعودية والعراق فخبر يحتل الصدارة في الاذاعات والصحف، فكيف بخبر السماح للحجاج القطريين بالقدوم إلى مكة لأداء فريضة الحج..
أخطر ما في هذا الواقع المرير أن احداً لم يعد معنياً بعلاجه..
لكأنما الخلافات هي الاساس في العلاقات بين الدول العربية، أن لم تكن القطيعة إلى حد الحرب… بل أن نذر الحرب قد رفت على الجزيرة والخليج مع تفجر الازمة (مجهولة الاسباب حتى الساعة بين مملكة الذهب الاسود والامارة المن غاز..)
من هي المرجعية العربية الآن القادرة على اعادة لم شمل من تفرق؟
لقد انقسم العرب إلى معسكرات، معظمها في الحضن الاميركي، لكنها متقاطعة، او حتى متخاصمة ومتباعدة إلى حافة العداء.
كل ذلك والشعوب بعيدة، بل مستبعدة، عليها أن تسمع فتطيع، وليس من الضروري أن تفهم..
ولقد بات العدو الاسرائيلي اقرب إلى بعض الدول العربية بالمصالح، من بعضها الآخر.. فالنفط والغاز قد يجمعان ما فرقه التاريخ والجغرافيا.
إن قيمة العرب، سياسيا، تكاد تندثر بسبب من خلافاتهم التي لا تنتهي..
وتأثيرهم، بنفطهم والغاز والموقع الاستراتيجي الحاكم، يكاد يضمحل بعدما تبعثروا وتخاصموا وحلت النكايات والعداوة محل الاخوة والمصالح المشتركة.
فأي موقع في التاريخ، الراهن من التاريخ، سيتبقى للعرب.
تنشر بالتزامن مع جريدة الشروق