كانت اللقاءات باردة، في البداية، مع الراحل الكبير اللواء سامي الخطيب، رجل المخابرات المميز، قائد قوات الردع العربية (السورية بأكثريتها الساحقة)، وزير الداخلية من بعد، الظريف دائماً، محب الحياة حتى الثمالة لاعب الغولف وهو في الثمانين، والذي كان يعرف اكثر مما يجب عن مختلف العهود التي عايشها، بل عاش في قلبها حتى ..الثمالة.
في اوقات فراغه نتيجة انتقاله من منصب إلى آخر كان يزورنا في مكاتب جريدة “السفير” احيانا لكي “نستغيب” الاصدقاء المشتركين، واذكر اننا كنا نتسامر، ذات يوم دخل علينا ضابط صديق بملابسه الرسمية فحيانا، كعسكري، فاذا بسامي الخطيب ينتصب واقفا وقد رفع يده بالتحية.. ثم انتبه إلى “نجوم” الضابط الوافد فضحك وهو يقول: رد الفعل هذا طبيعي، قبل التدقيق بنجوم الآخر..
واذكر انه دعاني، مرة، لزيارته في بيته الذي كان يبنيه في بلدته “جب جنين”. عند المدخل، اشار إلى الدرج الرخامي وهو يقول: هذا الرخام من فلان، وكانت لي خدمات طويلة افاد منها كثيراً..
وصلنا الباب الرئيسي، فقال باسماً: فأما الابواب فتقدمة من فلان..
دلفنا إلى الشرفة عند الجهة الاخرى فاذا نصوب الكرمة تقف وكأنها جنود في لحظة استعداد.. وقال “ابو وديع”: اما هذه فمن فلان.. وقد اتى بها فنصبها كما يريد، وهو مازال يجيء بين الحين والآخر ليطمئن إلى نموها..
قلت ضاحكا: اذن، لا بد أن يكون الغداء على حسابي.
في لحظات معينة، كان اللواء سامي الخطيب يستذكر بداياته في “الشعبة الثانية”، كما كانت تسمى المخابرات العسكرية. وكان واضحاً في تقديره للرئيس الراحل فؤاد شهاب “أشرف من وصل إلى هذا المنصب في مختلف العهود”. كذلك فانه كان معجباً إلى حد الوله بالرئيس السوري الراحل حافظ الاسد، ورئيس اركانه الراحل العماد حكمت الشهابي..
أما رئيسه المباشر “الزعيم انطون سعد” الريفي مثله، والطريف مثله، فقد روى لي عن لسانه انه كان، ابان الانتداب الفرنسي، يخدم في ثكنة مرجعيون. وذات يوم أحد شجر خلاف بين جندي لبناني (جنوبي) وجندي فرنسي.. وقد هب بعض الجنود الفرنسيين لنجدة رفيقهم، لكن “حسن” كان جباراً، واوسع الجميع ضربا، خصوصاً وقد عاونه بعض رفاقه من الجنود اللبنانيين.
ولقد استدعي عدد من الضباط الفرنسيين من بينهم او معهم الضابط المناوب “الملازم فؤاد شهاب” للتحقيق في ما جرى.. فوقف فؤاد شهاب قرب النافذة وفي يده قلم رصاص يتابع مجريات التحقيق، وحين وصل الدور إلى انطون سعد وأخذ يروي ما جرى، نقر فؤاد شهاب على زجاج النافذة وهو يهمس لسعد : ضربه في مرجعيون وليس في مرسيليا، في مرجعيون مش في مرسيليا، سمعت، يا افندي.
توقف سامي الخطيب لحظة عن الكلام قبل أن يستطرد فيقول: هكذا تربينا في ظل قيادة فؤاد شهاب..
وبعد لحظة انفجر ضاحكا وهو يقول: هذا قبل أن ننتقل إلى جامعة حافظ الاسد!
رحم الله “ابو وديع” الذي رفض أن “يتقاعد” حتى يومه الأخير!