من أين أتاك كل هذا الصفاء وانت تتوغلين في الموت، تسبغين عليه بعض انسانيتك وتجعلينه باهراً في تعبيره عن رقتك وعشقك للجمال حتى وانت تلوين قضبان الحديد حتى تصير ما أردتِ أن تكون ليكتمل مشهد المذبحة المفتوحة؟
لقد أنسنتِ الموت، يا صفاء، فجعلته رقيقاً كدفقة شعر، حتى غدا معرضك أشبه بديوان من المعلقات، نكاد نرى فيها أطيافاً لبعض أحبائنا الذين غادروا في المقتلة التي تكاد تودي بأمتنا جميعاً، شيوخاً وشباناً وصبايا كانوا يغزلون لنا المستقبل وفتيه الورود الذين كانوا يمثلون الأمل الذي نظمنا فيه القصائد وكتبنا عنه الروايات التي تعكس التمني بأن يكون نقيض الحاضر!
لا الهياكل المن عظم للحيوانات الأليفة، من الديوك الى الماعز فإلى الجمل والحمل والبقرة، استطاعت تمويه حقيقة المقصود، فاذا ما تاه أحد زوار المعرض عن القصد، أعادته السلال المملؤة عظاماً لضحايا القتل الجماعي من دون تدقيق، الى ما تريد صفاء إثباته بهذا المعرض الفريد في بابه.
لا لزوم للشرح والغرق في التفاصيل التقنية ومرجعية استخدام الحديد كمادة للتعبير عما لا يمكن قوله شفاهة أو حتى كتابة ولو بالإيماء أو الإيحاء وسائر مبتكرات الرموز الدالة على المقصود: هنا الحديد يخرج من موقعه كشاهد صامت يخرسه الخوف. انه هنا يقول ما لا يقال.
صفاء انطقت الحديد، في زمن الخيار بين صمتين: صمت الخوف وصمت الموت.
حماك الله يا صفاء، يا من استطاعت انطاق الحيوانات المن حديد!