خلص.. يعني خلص. ماضٍ مضى ولن يعود. زمن آخر جاء. أزمنة فقدناها. أحلام من رماد. شهوات يابسة. آمال لا أمكنة لها.. نحن النهايات. لا يفيدنا أبداً أن نجترَّ أزماتنا وخيباتنا وخسائرنا.
خلص. لا بد من اقتران فضيلة تصفية الماضي. لنبدأ ألفباء الحياة، بآفاق أخرى. لنكن واقعيين ولا نحلم كثيراً، قبل الاعتراف الصادق، بأننا خسرنا ولا تعويض للخسائر، إلا بالوقوف في طابور النهايات، أو في قافلة الأتباع واعتبار أن الخلاص مستحيل، ذلك أن تعداد الخسارات متاهة بلا فوائد.
كتب أحدهم ما يلي: “فاز المال على الله. أطاح بالعقائد والقيم ومنع إطلالات الأفق. بالكاد ترى قدميك وخطوتك اليتيمة. أنا الآن شخص ثانٍ. أكاد أعتاد على موت بعيون مفتوحة”. بالكاد، شعارك سيكون: “بدي عيش وبس”. ما عدت راغباً بسماع كلمات عن الأمل، الحرية، الإنسانية الـ..
تعبت.. أنا الآن أزم أو أتقلّص.. ما كان وجوداً أو جسداً لي. امّحى. ما عدت أفكر بحالي. أنا طالق مني. أحتقر ماضيَّ. أقاوم حاضري. إحساسي بأني مذلول. بهيم. حيوان. رقم. لولا عورتي، كان يُخشى عليَّ.. أنا لم أعد أنا. ما مات عندي، قافلات من الآمال الرحبة.
خلص.
“إسرائيل” إله أرضي: ثلثا العالم الأرضي على أتم الاستعداد، برغم تدينهم الديموقراطي، لتنفيذ أي أمر شنيع، مثل الإبادات الحضارية. اقتلاع الشعوب. لا بد من تنفيذ مجازر. المجازر مسحوق تنظيف الأرض من حشرات إنسانية غير مفيدة لا بل مُسيئة لمسيرة التحرر من الإنسانية ومن الألوهة. المال، أولاً وأخيراً. الرأسمال يأمر ولا يُؤمر. الديموقراطية ممنوعة. الأخلاق مضرّة. الصدق إثم كبير.
مثلاً، إذا مررت بصبرا وشاتيلا، بارك المجزرة، واندم واعتذر لأنك بكيت الشهداء. عليك أن تكون كائناً بيولوجياً فقط. لست من المخلوقات. أنت من المصنوعات السائدة، التي تكون وحوشاً، بمتع سياسية ركيزتها النفي والإسقاط.. إيريك فروم يستشهد بالإنسان، الذي هو دون الحيوان كثيراً. الحيوان لا يقتل. الإنسان يفتك. والفاتك يشعر بالرضا التام على فعلته. يتبهور. أما الحيوانات فلا تقتل مخلوقاتها. الوحوش لا تبني معسكرات. لا تقيم احتفالات الإبادة. أو القتل، أو السحل، أو تدمير مدن بقنابل ذكية جداً، من اختراع عباقرة الجريمة الجميلة.
مسكين هذا العالم. إنه يتقلص إنسانياً ويتوحش بشرياً. عدد ضحايا الإبادات، المأمورة من آلهة الرأسمال، بلغ عينة متقدمة، تكاد تجعل من الجنون كفاءة والهدف هو القضاء على الإنسان. غريب. ضد المنطق، الإنسان ذئب “لأخيه” الإنسان. الإنسان يذل أخيه الإنسان.
أين الأديان؟
لا جواب. هذا ماضٍ لا يمضي أبداً. في الحروب، تنحاز الأديان إلى مصالحها. تقبع في خنادق الدم والوحل، تنسى إلهها ويسوعها ومحمدها و.. يباركون الاغتصاب.. الاغتصاب مرتبط بالعنف. اغتصبوا فلسطين. اغتصبوا إفريقيا. اغتصبوا الكرة الأرضية. أقاموا لهم مساحات خاصة بهم في الأجواء. الحروب عندهم أكثر شراهة وتلذذاً من الجنس. لا يعيبهم أبداً أن يُسَمُوا وحوشاً إنسانية.
بعض الأطهار، ما عادوا يطالبون بحقوق الإنسان، بل بحقوق القتلى. عندما يفقد الإنسان إنسانيته، يصير حذاء، مع احترامنا الشديد للحذاء، لأنه أكثر وفاء وتحملاً من الصلوات. مدراء السجون مأمورون من آلهة الرأسمال. السجون ليست المعتقلات أبداً. السجون راهناً، تتسع لمدن وقرى وبلدات و.. أوطان. مثلاً: لبنان سجين. الأردن كذلك. سوريا أيضاً وأيضاً وصولاً إلى الربع الخالي، وحافة الأطلسي وجبال الأوراس.
لا يجوز أن نقول العالم العربي. هناك الظلام العربي أو الظلم العربي. الظلام أو الظلم يرتع ذهاباً وإياباً.. محكوم كل عربي بـ”سد بوزك”. الكلام ممنوع.. التظاهر رجس من قبل الآلهة، فاجتنبوه. أنت أيها الإنسان كي تكون آمناً، اعترف بأنك لست إنساناً أبداً.. وإياك أن تتحدث عن حقوق. لا يكفلون حتى توسلاتك و.. “حسنة من وج الله”.
لا تتلفظ بالضمير لئلا تتعرض لأخطار كابوسية. إذا كنت طائفياً مثلاً، لا تُخفي هويتك. تعلّم أن عارك هو علمك. هو صوتك. هو أمرك: “هاتِ ولا تعطي”. وإذا خالفت مسار ما بعد الحضارات، فأمامك أبواب السجون مفتوحة وباحاتها تختنق بالجلد والجلّادين والتعذيب.. ولو! هل قمتَ ذات يوم بزيارة سجن عربي ما. عرفنا حتى الآن مطاحن ومكابس السجون السورية. فظيع. تفوّقوا على الشياطين والهمج ولو.. ولو.. ولو.. أما سجون صدام حسين، فهي الأخ الدائم لسجون سوريا ودول الخليج العظمى، وشبه القارة العربية من مصر إلى المغرب.
لم يسبق أن تعرفت على مواطن لا يخشى نظامه الأمني. الغرب يُريدنا وحوشاً، ونحن مستعدون لذلك. نحن محكومون بالموت، يوماً بعد يوم، حتى آخر العمر.
أنت متهم لأنك موجود. قد لا تكون مرتكباً. قد تكون وريث براءة الملائكة.. هذا ليس مهماً.. أنت لا تصنع نفسك. الجلاد والحاكم يصنعان لك حِلاّساً، أساسه الخوف.
أنا الكاتب هذه الكلمات، لا أخاف إلا الاستبداد. اسألوا الذين يتعرضون للحيونة.
إليكم بعض مذكرات جلادي السجون:
أولاً: الضرب، ثم الضرب، ثم اللكم، ثم السلخ. نعم. أحمل جلدي على كتفي ثم يلوحون بالخازوق.. الجسد المعذب يطقطق كحجر. يتحطم ويُداس. ثم، لا بد من مراقبة الخازوق، إن كان يدخل بالاتجاه الصحيح.. البحث عن الموت في سجون العرب الفاخرة هو زمن الهلاك. متى.. علّه يسرع لينام الوجع.
لماذا هذا الكلام؟
لأنني أفترض أن الإنسان في هذا العالم، إما أن يكون القاضي والقاتل، وإما الضعيف والمسحوق. وهذا نتاج التدين الرأسمالي. الرأسمال لا يرحم. متوحش. مفترس. مدمر. قاتل. منتهك.. وإذا العقاب غير مادي، فيلجأ الحاكم إلى الإذلال. عدد المذلولين في الكرة الأرضية بالمليارات. وخاصة المرأة.. ولا عجب إن كان الأقوياء ينظرون إلينا كأرقام وليس كبشر. انت شيء فقط. لن تبلغ حتى بعد مرتبة الحيوان.. وأفدح ما يصاب به الإنسان العاقل والآدمي، هو الموت الداخلي.
أسأل: هل أنت نصري؟
أقول: أحياناً أنا.. وأحياناً لست أنا. لأنني أخشى أن أقول ما لا يقال.. الجبن منجاة، والتجرؤ انتحار.
سمّني جباناً.. لأني لا أرغب بفقد دموعي عليَّ. دموعي منذورة لأحزان الآخرين وخاصة الحزانى.
وعليه؛ وبعد كل ذلك.. احفظ ما يلي:
الأنظمة العربية وباء مستحكم ومصان. البشر يملأون جغرافية المذلولين.. عليك أن تخاف من الحرية. وأنت أيتها المرأة، كوني الأنثى التي تتزين بالصواب وتستقوي بالأظافر والصراخ..
ويحدثونك عن الإرهاب. يا حرام، “الإرهاب الدولي”، ليس إلا حفنة من رجال بلغوا من اليأس مقام الاختناق. إرهاب السلطة والعسكر والمال والتدين والـ.. هو الوباء الكوني.
اصطدم دائماً بالواقع لتعرف أن من واجبك أن تصون عفتك الأخلاقية من دون أن تتلوث ببغاء الشفعة والواسطة. وعليه، استسلم علناً، وحسّن قبضتك من الوهن. “فما نيل المطالب بالتمني، تؤخذ الدنيا غلابا”.
ما تريده أميركا، أن نكون كلنا عبارة عن حديقة حيوانات بشرية، بحراسة من يجني الأموال، من الأحشاء الإنسانية.
من يحمينا؟
لا أحد. ترامب جائحة علنية: أنا الأول والآخر وما بينهما. استعمار جديد، لدول استعمارية مزمنة. أنا الأول والأخير وما بينهما. فليذهب الضعفاء إلى سلالات المدن، والحياة تليق بالنصابين والإرهابيين الذين يلبسون “كرافاتات”.
أما “إسرائيل”، فهي الدين السياسي العسكري المطلق.
“فلسطين”، يلزم حذفها من الخريطة كلياً. وتوزيع أولادها، إلى.. (الكلمة عيب) أما لبنان..
لا شيء بعد ذلك.. لا شيء.