كنت أقرأ بشغف، كتاب محمد محمد حسين: «حصوننا تسقط من الداخل»، وكان ينتابني شعور قوي للغاية، عن مكامن القوة والضعف، في الهيكل العام للمجتمع، أين يكون قويا، وأين يكون ضعيفا، ومن هي القوى الفاعلة والمؤثرة، في البنيان الإجتماعي والوطني والقومي، بل كيف يكون هذا البنيان عرضة للتناقضات من الداخل والخارج، فيكون مرة إلى القوة، ويكون مرة إلى الضعف.
لا أريد الحديث ها هنا، عن قوة النظام السياسي ودوره، في حماية المجتمعات وصيانتها وتجديدها وتحديثها، كما لا أريد الحديث عن المؤسسة العسكرية الحامية الأخيرة للمجتمع، من الصراع معه، أو من الصراع عليه، فهي بكل تأكيد السياج العالي، وبوابته الأمن الإجتماعي، حيث المهمة الأساسية له. وحيث الدور الملازم، للحفاظ على المجتمع وأمنه، من الداخل والخارج.
لكنني، أجدها مناسبة للحديث عن دور الصحافة والإعلام، في الحفاظ على المجتمع، لأنه الدرع الأساسية له، قبل النظام السياسي، وقبل المؤسسة العسكرية، وإلى دورها الأساسي، يشير محمد محمد حسين، في حفظ المجتمع وصونه.
طلال سلمان، كان أحد أعمدة الصحافة اللبنانية والعربية الكبار، برز دوره في مطلع السبعينيات، من خلال جريدة «السفير» التي نهض لإنشائها، في أصعب الظروف وأقساها، كان لبنان يومها، يتمخض عن دور وطني، وعن دور عربي، وعن حرب أهلية معا. وكان يرى بأم عينه تحركات الآلة العسكرية الإسرائيلية، وتحركات المقاومة الوطنية والفلسطينية التي تجابهها. كان يرى بأم عينه الإنقسام الداخلي الهوياتي، وكان يعيش آلام هذا المخاض، كله، حين إمتشق قلمه بيده، وخرج به، بصوت عالٍ، لئلا يسقط لبنان من الداخل والخارج في برهة واحدة.
كان طلال سلمان، صوت الذين لا صوت لهم حقا. وقف في وجه الإجتياح الإسرائيلي لبيروت، وكان يعدّ أيامه، سدّ بجسده العملاق، كقامة وطنية وقومية وثقافية وإعلامية، باب مكاتب جريدة «السفير»، ومنعهم من الدخول إليها. فما وطئت أقدامهم بلاطها، ولا تدنّس بلاط جريدة «السفير» بها.
وفي ظل الإحتلال والاجتياح، ظل طلال سلمان، وظلت معه جريدة «السفير» درع المجتمع، ودرع الوطن، بل درعا قومية عظيمة.
وطوال مسيرته الصحفية في السفير، لنصف قرن، كان الصوت المدوي، لعدم إسقاط لبنان من الداخل والخارج. كان يدفع بصدره وبصوته، عن العمال والفلاحين، ويقود أعظم معركة ثقافية، إلى جانب الطلاب والأساتذة الجامعيين، وإلى جانب ثورة المعلمين، كانت صفحات جريدة «السفير»، خير منبر إعلامي لهم. فما بالكم بإهتمامها بالشؤون البلدية والقروية، وبالدفاع عن حقوق الطفل والطفولة، وعن حقوق النساء، وعن الحقوق المدنية، وعن حقوق المساجين، التي هي أساس البناء الإجتماعي.
وأما في المواقف الوطنية والقومية، فكان طلال سلمان، ومن خلال توجيهاته، في جريدة «السفير» أيضا، الدرع الوطنية والقومية حقا. كان صوته عاليا حقا، في الدفاع عن لبنان، وعن القضية الفلسطينية، وعن القضايا العربية والإسلامية المحقة كافة.
خلل عظيم، لحق بالصحافة اللبنانية والعربية، درع المجتمع والوطن، لغياب رجل الصحافة والإعلام، بقامة الأستاذ طلال سلمان وجريدة «السفير» الغرّاء.
وإفتقاده في هذه الظروف الإستثنائية التي يشهدها لبنان، وفي الذكرى الثانية لغيابه، نتقدّم من كافة اللبنانيين بالتعزية الحارّة، لفقدان قامة وطنية ثقافية وإعلامية كبرى.
أستاذ في الجامعة اللبنانية