غزة ـ حلمي موسى
اليوم الثاني والخمسون بعد المئة على العدوان، وما بعد الضيق إلّا الفرج، والأمل كبير أن ننال، بعد هذه التضحيات كلّها، حقوقنا في الحرية والحياة الكريمة. فظلم الأعداء لن يدوم، وشمس الحرية ستشرق، ولو بعد حين..
***
انفجرت المفاوضات لإبرام اتفاق هدنة أو لإنهاء الحرب ولم تنفجر، والأطراف كلّها توحي بأن المفاوضات مازالت قائمة، وقد دخلت مرحلة عض الأصابع بقوة، والطرفان، الفلسطيني والإسرائيلي، يراهنان على من يصرخ أولا في اللحظة الأخيرة، وسط اعتقاد كل طرف بأن الطرف الثاني هو الخاسر.
ويعود مصدر التفاؤل إلى إصرار الإدارة الأميركية، لأسباب مختلفة، ولاعتبارات داخلية وإقليمية وربما دولية، على إخراج المفاوضات من تعثرها ومحاولة إنجاحها. ويوحي كل من الطرفين بأنه لم يتراجع حينا، وبأنه يبدي مرونة حينا، وأن المشكلة تكمن في الطرف الآخر.
ويبتعد الوسطاء، المصريون والقطريون، عن إطلاق تصريحات تزيد من التشاؤم، فيما لا تتورع واشنطن، وهي ليست وسيطة، عن اتخاذ جانب إسرائيل علنا في الوجهة العامة لأهداف الحرب، وإبداء الاختلاف معها في كل ما يتصل بالمساس بالمدنيين الفلسطينيين.
ويأتي ذلك وسط جملة من التطورات التي لا يمكن القفز عنها، وأبرزها محاولات أميركية وإسرائيلية للالتفاف على إمكانية التوصل إلى صفقة في المدى المنظور، من خلال التركيز على القضيّة وكأنها “مشكلة إنسانية”، والعمل على إيجاد سبل بديلة لإدخال مساعدات إلى غزة، من دون تغيير الوضع في معبر فرح، ومن دون الأخذ في عين الاعتبار المجازر التي ترتكبها قوات العدو بحق المدنيين كلما تجمّعوا للحصول على ما يمكن أن ينقذ أطفالهم من سياسة التجويع الإسرائيلية القاتلة.
وتبحث دولة العدو “جديا وللمرة الأولى” إقامة معبر بحري من قبرص إلى قطاع غزة لإدخال مساعدات إنسانية بالتعاون مع دولة الإمارات.
ورجّحت وسائل إعلام إسرائيلية أن يتّخذ المجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية، غدا الخميس، قراراً بشأن فتح معبر لإرسال مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة للمرة الأولى عن طريق البحر، وهي مساعدات تموّلها وتقودها دولة الإمارات، التي تقول إنها سترسل سفينة محملة بمساعدات إنسانية “واسعة النطاق” إلى قبرص.
وفي قبرص، يقوم عناصر إسرائيليون بتفتيش المساعدات قبل السماح للسفينة بالإبحار إلى شواطئ غزة لتفريغ حمولتها. وتطالب الإمارات بأن تبدأ الرحلة التجريبية الأولي قبل شهر رمضان، لذلك، ربما ينطلق الأسطول في بداية الأسبوع المقبل. إلا أن ليس هناك أي خطط لضمان أمن المواطنين الذين سيتجمعون للحصول على المساعدات.
من جهة أخرى، تتواصل الاتصالات في كل من القاهرة وواشنطن لتسهيل التوصل إلى اتفاق قبل بدء شهر رمضان. وقد التقى رئيس مجلس الوزراء القطري محمد عبد الرحمن آل ثاني في واشنطن مس مع وزير الخارجية الأميركية توني بلينكن لبحث التقدم المحرز في مفاوضات صفقة التبادل. وشدد رئيس الوزراء القطري على أن بلاده ستواصل العمل من أجل التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح المختطفين مقابل وقف إطلاق النار “برغم كل من يحاول تقويض جهود تحقيق السلام”.
إلّا أن بلينكن كرر موقف بلاده حول وجود فرصة لتحقيق “وقف فوري لإطلاق النار يتضمن إعادة المختطفين مقابل تحسين كمية المساعدات التي تدخل غزة بشكل كبير.
كما كرر بلينكن موقف بلاده التي تحمّل الفلسطينيين مسؤولية العرقلة، وقال إنه “حماس هي المعنيّة باتخاذ قرار بشأن إذا كانت مستعدة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار”.
من جانب آخر، أفادت “وول ستريت جورنال” الاميركية بوجود تقدم بطيء في المفاوضات وبان هناك تقدير بانه سيكون ممكنا عقد الصفقة قبل رمضان.
ويوم أمس، كشف المراسل السياسي لموقع “والا”، باراك رافيد، النقاب عن أن فريق التفاوض الإسرائيلي طلب من كابينت الحرب توسيع تفويضه كي يتمكن من إبرام صفقة مع حماس.
وبحسب “والا”، من المقرر أن يجتمع كابينت الحرب يوم غد الخميس لمناقشة الطريق المسدود الذي وصلت إليه المفاوضات. ووفقا لإثنين من كبار المسؤولين الإسرائيليين، من المتوقع أن يطلب أعضاء فريق التفاوض الإسرائيلي من نتنياهو وأعضاء مجلس الوزراء توسيع التفويض الممنوح لهم حتى الآن، وذلك في محاولة للخروج من الطريق المسدود في المحادثات.
ونقل رافيد عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله إن حماس قدمت تنازلات عدة في الأسابيع الأخيرة، وهي، على حد زعمه، خفض عدد السجناء الذين تطالب بالإفراج عنهم وإزالة الشروط المسبقة لإنهاء الحرب وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي.
وقال المصدر الفريق المفاوض يقدّر أن حماس “استنفدت قدرتها على المرونة في هذه المرحلة، طالما أن إسرائيل لم تقدم المزيد من المرونة من جانبها بما يتجاوز الخطوط العريضة التي قدمت في باريس قبل نحو أسبوعين.”
وبحسب مسؤول إسرائيلي كبير آخر “يدّعي أعضاء الفريق المفاوض أنه من الضروري أن نتخلى عن الفرضية الحالية، وأن نصل إلى المفاوضات بمواقف محدّثة تجعل من الممكن التوصل إلى اتفاق. لكن المستوى السياسي – نتنياهو وغالانت وغانتس – لا يتفقون معهم”.
في المقابل، ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن المفاوضات حول صفقة التبادل مستمرة منذ فترة طويلة، إلا أن هناك تقارير أميركية تشير إلى أن صبر إدارة بايدن بدأ ينفد إزاء سلوك نتنياهو في الحرب – وسط اتهامات بأنه مقيد بالأغلال من قبل شريكيه في الحكومة إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريش.
ونقلت “يديعوت” عن مسؤولين أميركيين كبار قولهم إن الولايات المتحدة تواصل الضغط “بكل قوتها” للتوصل إلى صفقة تبادل ووقف لإطلاق النار، محذّرين من أنه “إذا ثبت أن نتنياهو يخرب هذا من أجل مصالحه الحزبية فإن ذلك سيؤدي إلى تصادم مباشر مع البيت الأبيض”.
كما أشار المسؤولون إلى كلام الرئيس الأميركي جو بايدن حول الموضوع، والذي هاجم حكومة نتنياهو وتوقف بالفعل عن تجنب مصطلح “وقف إطلاق النار”، وأوضحوا أن “ما سمعناه من الرئيس ما هو إلا البداية، فإذا توصلنا إلى استنتاج مفاده أن رئيس الوزراء يؤجل لأسباب سياسية، فسنسمع أشياء أكثر جدية من بايدن”. وربّما يكون الهدف من وصول غانتس إلى واشنطن أيضًا هو نقل رسالة إلى نتنياهو.
وكان لافتا يوم أمس، تصعيد أهالي المحتجزين الإسرائيليين لحملاتهم ضد موقف رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو وحكومته، سواء من خلال التظاهرات أو التصريحات. وتظاهرت عائلات الأسرى أمام السفارة الأمريكية أمس، حيث أعلنت والدة أحد المختطفين أن حكومة نتنياهو “تتلكأ” وأن “إسرائيل بحاجة إلى الضغط الأميركي”.
وناشدت عيناف تسينغوكر، والدة أحد المختطفين الإسرائيليين في غزة، الرئيس الأميركي جو بايدن، باسم عائلات المحتجزين، التدخل ضد حكومة نتنياهو “المنخرطة في حملة ضد العائلات بدلا من الانشغال بإبرام صفقة تبادل”، مشيرة إلى أن العائلات “تشعر بالإحباط وخيبة الأمل” من مواقف الحكومة.
وحمل المتظاهرون أمام السفارة الأميركية لافتات بالإنجليزية دعت بايدن للحث على صفقة تبادل فورا، مشيرين إلى أن “وقت الأسرى ينفذ”. وعبر مكبرات الصوت، ناشدت والدة أحد المحتجزين بايدن قائلة: “إن الحكومة الإسرائيلية وحماس تتلكآن أكثر من اللازم. لذلك فإن الضغط الأميركي ضروري لإبرام اتفاق للإفراج عن جميع الأسرى وإعادة بعض الشعور بالأمن إلى بلادنا. والإدارة الأميركية بقيادتكم وقفت إلى جانب إسرائيل منذ اللحظة الأولى، ولديها القدرة على حمل الطرفين إلى المفاوضات والتوصل إلى اتفاق”.
أضافت أن “الوزراء مشغولون بتسريبات إعلامية ضد قوات الأمن، وتوتير المنطقة قبل شهر رمضان. الوقت ينفد، الوقت ينفد بالنسبة للأسرى. الرئيس بايدن، أنا أثق بك، نحن، الأطفال والآباء والإخوة والفتيات والأخوات والنساء، بحاجة إلى إعادة الأسرى. نحن بحاجة إلى حكومة تمتلك القدرة على إنهاء هذه الحرب وإعادتهم إلى الوطن”.
وتعتبر تظاهرات أهالي الأسرى واحدة من العناصر الضاغطة على حكومة نتنياهو في المجتمع الإسرائيلي، خصوصا لدى كل من يعتقد أن ما مر على العائلات كان يمكن أن يكون من نصيبه أيضا.