غزة ـ حلمي موسى
تحت هذا العنوان، كتب المعلق العسكري في “إسرائيل اليوم” يوآف ليمور المقال التالي:
شهرا كاملا مر منذ ذاك السبت الأسود. 31 يوما بلا نوم. 744 ساعة بلا هواء للرئتين. 44640 دقيقة كان القلق يستبدل بالأمل الذي يستبدل بالقلق وهكذا دواليك.
طوال هذا الشهر، وجدت نفسي غير مرة أحاول أن ادخل الى رأس قادة أجهزة الأمن، تحديداً إلى ذلك المساء الذي سبق هجوم حماس الإجرامي. أحاول أن ألتمس المؤشرات المحذرة التي كانت مطروحة أمامهم، إلا أنها لم تتبلور الى واقع. الى قرارهم بعدم رفع مستوى التأهب. الى نظرتهم المتعالية بانهم يعرفون كل شيء، يفهمون كل شيء، واثقون من كل شيء.
وجدت نفسي أيضا أحاول غير مرة أن أدخل الى رأس رئيس الوزراء وكبار وزرائه. الى المفهوم الذي عاشوا فيه بان حماس مرتدعة وتخاف الحرب. الى التفكير في أن حقائب المال وأكوام العمال ستكون بديلا عن الأيديولوجيا. الى الإيمان بانه محظور عقد الصفقات مع أبو مازن لكن يمكن عقد الصفقات مع حماس. الى الترهات الضارة التي شغلت بالهم ومزقت دولة كاملة.
حاولت أيضا أن أدخل الى رأس الكيبوتسيين في الغلاف. أولئك الذين وعدوهم بأن الدولة قوية، والجيش الإسرائيلي قوي، والجدار قوي. وأنه إذا ما حصل شيء ما، فالكل سيأتي لإنقاذهم. وفي الزمن الحقيقي، حين حصل شيء ما، لم يأتِ أحد. هم فقط كانوا هناك، مع يدهم التي تمسك باب الغرفة الأمنية بكل قوتها حتى آخر لحظة، مع صرخات الجيران الذين يحرقون حتى الموت، ومع الأصدقاء الذين اختفوا – منهم الى الموت ومنهم الى غزة- ومن يمكنه ان يتخيل على الاطلاق الظروف التي يعيشها من أصبح في غزة.
حاولت أن أدخل إلى رأس الجنود في الاستحكامات، الذين قاتلوا كالابطال، قلة أمام كثر. والمقاتلون الذين وصلوا في الساعات الأولى، ومعهم أفراد الشرطة ورجال الشاباك والمتطوعين، ووجدوا أنفسهم في ميدان معركة ضخم، من دون أي معلومات ، إلا أنهم كانو يملكون شجاعة وقوة نفسية استثنائية ساهمت في إنقاذ الكثيرين من الموت.
حاولت أن أدخل إلى رأس المحتفلين في نوبا، حفلة الطبيعة التي أصبحت حفلة المذبحة. أي تضارب بين الفرح وبين ميدان القتل. والى جانبهم أبطال منظمات النجدة الذين قلبوا العوالم كي يمنحوهم كرامة أخيرة. وطواقم التشخيص، والدفن، ومرافقو العائلات والمخطوفين، وعشرات آلاف المخلين من بيوتهم – أولئك الذين سيعودون اليها ذات مرة حين تنتهي الحرب وأولئك الذين لم يعد لهم بيت.
لا يوجد إسرائيلي لن يفعل كل شيء كي يعود تماماً شهرا الى الوراء، الى صباح 7 أكتوبر اللعين. لمنع المصيبة. لتفادي حرب وربما حروب. لتفادي إحساس الإهانة، انعدام الوسيلة، استيعاب أنه حتى بعد 75 سنة من قيام الدولة نحن لا نزال لا نسكن هنا بأمان. معرفة ان “اللاسامية” موجودة هناك، و”اللااسرائيلية” أيضاً هناك . أن حولنا تسكن حيوانات متعطشة للدماء وأنه لو توفرت لهم الفرصة سيفعلون ما فعله أباؤهم: سيقتلون وسيغتصبون، سيسلبون وينهبون ويحرقون.
هذا الكابوس هو قصة حياتنا هنا منذ فرحة التوراة. فقد كشف لنا أمورا طيبة: الطولة والشجاعة، الصهيونية واختيار الحياة، وكذلك التكافل الاجتماعي والقوة المدنية النادرة والمثيرة. إلا أنه كشف لنا أيضا أمورا سيئة: السياسة الصغيرة والبائسة، وجمهور منتخب لمن ليسوا مناسبين لمنصبهم ولنا، ومجالات كاملة في القطاع العام التي لا تؤدي مهامها.
السبت إياه كان يوم مصيبتنا، لكن منه أيضا يمكن أن ينمو مستقبلنا. الخيار في أيدينا. مطلوب فقط النظر في عيون عائلات المخطوفين والضحايا، من منهم يرتدي البدلة العسكرية ومن منهم مدني، وكل من دفع ثمنا رهيبا لما حصل هنا. علينا ان ننظر ونفهم بانه إن لم نغير ونتغير، فغدا سنكون نحن هم.