آخرُ مرفأٍ حطَّ فيه قلم طلال سلمان المُبحر منذ أكثر من نصف قرن في لجج الصحافة اللبنانية العربية لا يُعرف له عنوان، توارى مع بقاء الرجل في المدينة ليشهد على أنه يربأ بالكتابة على صفائح أزمنة مخالفة، خلاصتُها، غيرُ المعلَنة، هي الوثوقُ بسرعةِ زوالِ آثار جريدة اليوم البارح، وانقطاعُ جريان يوميَّتها لدى القراء، ومعطوبيةُ ورقِها الحاملِ رسالةً عابرةً “يُعدمها” عددُها التالي كلَّ يوم. إلا أن اليوم التالي هو حياة الصحيفة التي تبقى بدوام انتظار قارئها لها. ولكنَّ هذا اليوم الذي لا تاريخ ثابتاً له، لم يعد، هذه المرة، يشبه أمسَه، ولا أماسيه المكدسة متلاحقةً منذ عقود.لقد أرسل طلال في بعضها إنذارات وامضة ومبعثرة عما بات فيه اليوم،لم يلفت ومضُهاالمتكرر أحداً!ثمة توجُّس من انزلاق لم يكن في الحسبان!
في كلمةٍ ألقاها في قصر الأونيسكو في بيروت بمناسبة “يوم الصحافة العالمي” منذ خمس سنوات، في 2012، وصل فيها إلى ذروة خوفه غير المسبوق، قال: “الصحافة في لبنان تعيش اليوم قلقاً على وجودها ومصيرها، يتجاوز القلق على حريّتها”.
خوفٌ من الزمن الآتي القريب، لا على “السفير” وحدها، بل على الصحافة ذات التوجُّه الوطني والقومي والتقدُّمي، إذ “لم يعد، كما قال، بإمكان المؤسسات الصحافية، في لبنان تحديداً وفي أقطار عربية فقيرة عدَّة، أن تحتفظ بكادراتها المهنية المميزة في إنتاجها، والواعدة…”. ويخاف من “الارتهان لنفوذ أصحاب المال”، ومن منافسة الفضائيات العربية… كلمة نبضت بمؤشر من خطبة وداع غير داهم لحينه، تحت وطأة “قلقٍ على الوجود والمصير” رسَّخته في الوجدان الانهياراتُ العربيةاللاحقة،لم يستشعره أحدٌ بالعمق وأفصح عنه أكثر منهمستظهراً كوامنَه على “خارجٍ” عموميّ موسَّع لا حصريةَ لمِلكيَّة سلطته.
القلقُ الدائم لازَمَ فعلاً كل مسيرة “السفير” التي تدثَّرت، منذ نشأتها، بلاءات كبرى، عروبية وتقدُّمية، جعلتها غيرَ قابلةٍ للصرف في كثير من البلاطات العربية، ومقبولةً على مضضٍ ، وليس دومًا بكاملها، في غيرها. وكان ثمة خوفٌ دائم عنده من ألاَّ تقوى الخيمةُ اللبنانية على وقايتها وحمايتها وضمِّها براحةٍ إلى فسيفسائها الصحافيّ الباهرِ الألوان لحدِّ مجافاةِ الوقائع العربية واستفزازِها.
انطلقت محدِّدةً هوّيتها السياسية “بالعمل الوطني التقدُّمي بأفقه القومي العربي” (هوامش، 2010/3/12)، ومعلنةً طموحها بأن تكون “صوت لبنان في الوطن العربي، وصوت الوطن العربي في لبنان”، ومعيِّنةً جمهورها أيضًا بأنَّهم أولئك “الذين لا صوت لهم”، واعِدةً بأن تكون هي صوتَهم! هذه “المغامرة الفردية”، كما وصفَها، التي ظلَّت تحبو عقوداً “بفرح النجاح” الذي يعود حصراً، في إنجازه وفي استمراره، وعلى المستوى الفردي، لطلال سلمان بالذات قبل أيَّ فردٍ آخر، بما تميَّز به أوَّلاً من قلمٍ فذٍّ لا مجال لقيادةِ صحيفةٍ ناجحةٍ من دون “سلطته” غيرِ المشكوك فيها، ومن روحٍ مغامِرةٍ تستبطن شجاعةً مشفوعةً بمجموعة ميزاتٍ ومواهب على رأسها حُسنُ الادارة والمثابرة المضنية… تعطيها الثقافةُ الطامحة دومًا للاستزادة والتوسُّع، والذاكرةُ الحيَّةُ، أبعاداً إضافية ضرورية.
إلا أن “السفير” تدين أيضاً وخصوصاً، بنشأتها، كما باستمرارها وتقدُّمها، إلى البيئة الثقافية الاجتماعية والسياسية الحاضنة. هذه “المغامرة الفردية” الصحافية لم تكن ممكنة، في دنيا العرب، إلاّ في لبنان. فهي في الأصل، وبحسب التصنيف الدولي المعروف، مؤسسةٌ غيرُ حكومية. وفي المواقف، مؤسسةٌ ضد حكومية. وتنتمي كلياً إلى القطاع الاعلامي الخاص، هذه السمة التي لم يكن يوفِّرها في العالم العربي الواسع سوى لبنان! فقد “كانت بيروت عاصمة الحرية وحقِّ الاختلاف”، كما قال. ويضيف: “كانت بيروت المنتدى الفكري والشارع الوطني والمشفى والمقهى والمطبعة والجريدة والكتاب” (هوامش، 2010/4/23).
هذه البيئة اللبنانية العريقة بالحرّيات العامة، والتي نالت دائمًا تقريظًا واسعاً من أوساط ثقافية عربية مختلفة، ليست بحقيقتها منَّةً من السلطات السياسية اللبنانية المتعاقبة، بل انَّ هذه ،على تعدُّدها وتنوُع خياراتها على مدى تاريخنا الحديث، لم تنِ السلطات اللبنانية، وفي مناسبات كثيرة بالتوطؤ مع سلطة عربيةأخرى، تعمل على إزعاجها وتسعى إلى خنقها وتضييق آفاقها، وبإزاء مقاومةٍ لافتة من جانب المجتمع اللبناني المتنوع الذي لم يقم بتقديم أيّ تنازلٍ في مجال هذه الحريات العامة المكتسبة بجهد وبتضحيات وتعاون وطني فوق-فئوي، طائفياً وسياسياً، والمتوسِّعة باستمرار، التي باتت جزءًا من تراثه المعيش والتي كان التنوعُ غير القابل للاختزال في لبنان يرفد ساحَه الدينامية،ومن غير توقُّف، بقوى ممانعة جديدة.
كما تزامنَت انطلاقة “السفير”، ومسيرةُ صباها الباكر وشبابِها الدائم بكاملها، مع الحروب اللبنانية المركّبة (1975 ـ 1990)، التي سُمِّيت اختزالاً “الحرب الأهلية”، وكانت هي طرفاً صحافيًّا فيها إلى جانب، وبمقابل، العديد من لاعبيها المحليّين والإقليميين والدوليين. وتعرَّضت، بسبب مواقفِها، للتعطيل والتغريم وعرقلة التوزيع وترهيب المعلنين فيها… وصولاً إلى التفجير ومحاولات الاغتيال لعاملين فيها، نجحت مع البعض وفشلت مع البعض الآخر، ومن بين هؤلاء، وعلى رأسهم، صاحبُها… ولكنَّها صمدت بصمود قيادتها ومهارتِها، يقول البعض، وليس من غير رغبةٍ مكتومةٍ في الاتهام والتشفِّي أو غيرةً وحسداً، في السير دهرًا طويلاً بين نقاط السلطات السياسية الرسمية وغيرها، تلك المقتدرةِ وصاحبةِ اليد الطولى منها، على الخصوص!
و”السفير” نضجت أيضاً، خبرةً وعراكاً، وباتت أبرعَ احترافًا وأكثر قدرةً تاليًا على تمييز الخصوم والأعداء والأصدقاء، لبنانياً وعربياً. واكتسبت، من معترك المنافسة الصحافية على الأرض اللبنانية، الكثيرَ من التقاليد والقيم الصحافية الليبرالية الدولية وأساليبها العريقة التي لم تكن “السفير”، وناشرُها، تكترث كثيرًا بها من قبل. فعلى الرغم من المجموعة المميَّزة من الصحافيين الذين استقطبتهم، لقد استقطبت “السفير” أقلاماً فذَّة، متنوعةَ المنابت والاتجاهات التقدُّمية اللاحقة، وسَّعت آفاقَها. “استوطنَها” بعضُهم ردحاً طويلاً، وبعضهم الآخر عبَرَ منها إلى ضفافٍ أخرى… ومنهم مَن لا تُعرف مواقفُهم آناً حيالَها بعضُهم غادرَها تباعاً، وبعضُهم زاول فيهاحتى الرمق الأخير، رمقِها ورمقِه، والذين عزَّزوا، على مدى سنين، وانطلاقاً منها، المستوى الرفيع في الكتابة الصحافية العربية الحديثة، منهم شعراء وروائيون ونقَّاد ومحللون ومفكِّرون وعلماء اجتماع واقتصاد وسياسة، يساريون وقوميُّون وتقدُّميون، ومفكِّرون إسلاميُّون وعلمانيُّون، تطعَّموا لاحقاً بليبراليين، قبل أن تجبر ظروفٌ إكسترا لبنانية وعربية لاحقة على ضرورة التمييز المنهجي بين هذه المواصفات، هذه الهويات الخاصة، السياسية أوّلاً… وقد باتت بهم واحدةً من طليعة الصحف اللبنانية. فكانت، حريصةً على هذه الهوّية الطليعية والتشبُّث بأهدابها المبعثرة، ومع ذلك لم تقوَ على تخليص صفحاتها، كلِّ صفحاتها، إلاَّ ببطءٍ طال أمدُه، من اغواءات مزاولة خروقات أساليب المنشورات الحزبيَّة التعبوية والتحريضية الشائعة التي ظلت ردحاً تتجاور مع مقالاتها المميَّزة! وعلَّةُ ذلك كونُ جماهير “الذين لا صوت لهم” متنازَعٌ عليها هي أيضًا مع تلك الأحزاب التي تربَّت طويلاً، وعوَّدت آذانَها والآذانَ العربية، على تلك النبرات السمعية، قبل البصرية القرائية. هذا الأسلوب “المنشوري”، غير المحترف و”غير الصحافي”، تسلَّل أحياناً إلى مانشيت الجريدة! ويبدو أنَّ التزام طلال القوميَّ كان دوماً من القوة ما يُعطي سبقًا مطلقاً للعاطفة الجيّاشة لشاعرٍ، على كل أمثولات الاحتراف الصحافي الذي ينبغي أن يكون، عند رؤساء التحرير، أقلَّ حدَّةً منه لدى القرَّاء، وحتَّى المحرِّرين! وقد اعترف هو نفسُه، وإنْ بعد حينٍ، وليس من غير ندم، بتورُّطه خلال مسيرته الصحافية السابقًة في “زلَات” انفعالية، غير احترافية، مشابهة.
لقد نضجت “السفير” سريعاً وبشكل مذهل، وتماهى بها صاحبُها مذ سنّه الخامسة والثلاثين، ولم تعد على طول المراس ثمة قدرة عندنا، كما عنده أيضاً، على التمييز في الهوية بينهما! لقد بات اليوم كهلاً (والتعبير هو له) على مشارف شهور من الثمانين. ونضج هو أيضًا بالموازاة، وحتى بالنسَب الصوفيِّ الذي يُعجَز معه تمييز العاشق من المعشوق!
كان لا بدَّ، كما كان يقول، من إعادة صوغ العروبة وتجديد الفكر القومي، في إطار تحوُّلات فاجأت المتَّكئين، براحةٍ واثقةٍ متفائلة، على تصوُّرات شتى من الحتميِّات التاريخية. وبات أخيراً أكثرَ تنبُّهًا لِما للبنان من خصوصياتٍ مرذولةٍ وغيرِ مقبولةٍ إلاَّ على مضضٍ مستدامٍ للساعة، ولما يوفره من حرِّيات عامة تشيح بثقل السلطة السياسية وحرَّاسِها عن الكواهل العامَّة، ومن حظوظٍ بالتالي في هذه الإعادة الضرورية. لقد خرج مُنَح الصلح قبله، الذي يُذكَر هنا على سبيل المثال (المثال الذي يرتاح له)، بعد الخبرة الطويلة المريرة والثرَّة في هذا المجال، بمقولة: “اللبنانيَّةُ الصعبة”، وبمفاهيمَ جديدةٍ حينذاك حول خصوصية العروبة في لبنان المتعدد وحرِّياتِه، وخصوصية لبنان في العروبة، وخرجَ… من ضبابيات التعميم. ومع هذه “التفهُّمات”، ولباقةِ التعامل معها، “تلبْنَنَت” “السفير”، فزادت مساحةَ العروبة التقليدية في لبنان! ولا يُعرف بالضبط ما الذي خسرتْه بالمقابل، وعلى الأرجح بالموازاة؟ أو انها جاءت أصلاً من تراجعاتٍ وهزائم عربيَّة متعاظمة لحينه، ومستجدة دوماً، على الرغم من الوعود التي زُرعت في هذه الانتفاضات العربية المعدودة، ومن العظيم مما أنجزتْه فعلاً، إلاّ أنها حصدت مع ذلك الكثير والكبير من الخيبات “القوميّة” منها! فلبنان لم يكن لـ”السفير” موطناً وحسب، بل كان لها خصوصا البلدَ العربيَّ الأوحد الذي لم يُقفل “حدودَه” بوجهها. وما قام به أحيانًا كي يحول دونها ودون جمهورها يمكن إدراجُه، قياساً، في خانةِ ما ليس يُذكَر! ومن هذا “اللبنان” ذاتِه لا يمكن أن يُستثنى الرسميُّ “السلطويُّ” أيضًا، على العموم الباقي لا على الخصوص العابر؛ ولا استثناء “خصومِها” الذين طالت يدُهم حيناً وامضًا وزائلاً؛ ولا “أعدائها” الذين يصعب تمييزُهم وتعيينُهم بدقَّة وتحديدُ مواقعِهم، وربَّما “تعاملت” “السفيرُ” معهم، وبخاصةٍ “السلطويين” الأشاوس منهم، درءًا لخطرهم القابع والمتخفِّي، بأسلوب إغضاء العارف الذي ما من ممارسته، للاستمرار، بدُّ! ولكنْ طلال، كوطنيٍّ قوميٍّ تقدُّميٍّ صلب، لم يُشح باقتناعِه عن كون التخلُّف هو متجسداً جوهرًا في لبنان الرسمي الطوائفي، غيرِ المدني (أو غيرِ العلماني، هذه العبارة “القديمة” التي لا تزال ألسِنةُ بعضِ قدامى اليساريين والليبراليين والقوميين “ملويَّةً” على التلفُّظ بها: قلَّة منهم في العلن، أو بمرادفاتها “المدنيَّة”، وغالبيتهم في الخفاء وفي الأماكن المقفلة،وبين الموثوقِ منهم من القدامى!). ولا بدَّ تاليًا، في معتقَده، من “تخليص الدولة اللبنانية من براثن الطبقة السياسية الطوائفية وممثليها أمراء الطوائف”، ومن هذا “النظام الفاسد المفسِد”.
أمَّا فلسطين، الجرحُ العربي الذي لا يندمل، فظلِّت عنده بوصلةَ السياسة العربية الكبرى والمعيارَ الأساس الذي يقاس عليه كلُّ عملٍ وطنيّ وقوميّ عربي. فهي حاضرة ومقدَّمةٌ في كل عددٍ من جريدته اليوميّة. وكان فيها، أَيضًا، ملحقٌ دوريّ خاص بفلسطين، بتاريخها الحديث خصوصًا، عن مدنها وقراها وناسها وإنجازاتهم؛ وكان له هو، في كل إصدار منه، مقالٌ افتتاحيٌّ. وفيه ترصُّدٌ على مدار الساعة لواقع احتلالها وتعقُّب حركات محتلِّها، عدوِّها الأول وعدوِّنا. تلك المواقف الاعلامية الفلسطينية كانت دومًا، سمةَ “السفير” اللافتة والمميِّزة لها في أوساط الصحافة العربية الناجحة.
وبالمقابل، فملايين مَن “لا صوتَ لهم” و”لا حرف لهم”، والذين وعدت “السفير”، منذ ما يقرب من نصف قرن، بأن تكون هي صوتَهم وحرْفَهم، لم يعرفوا حقيقةً بوجودها أصلاً، ولم يكن لها مكان في حياتهم البائسة والمهمَّشة من السلطات المتسلِّطة وطبقاتِها العائمة على بحور من الدولارات، التي تدّعي مع ذلك شرعيَّةَ احتكارهم تمثيلها بنسبة تجاور المئة بالمئة! وكانت دوماً الأمِّيةُ العربيَّة الواسعة، وشبيهتُها الألفبائية المدرسية الأوَّلية، المتجددة بعد جيلاً وراء جيل، كماضيقُ الحال واليد، والجمارك الحدودية الجغرافية،والموانعُ السلطويَّة المختلفة… حائلاً بينها وبينهم، فجعلتذاك الشعار الجذَّاب للجريدة يافطةً “شِعريَّةً” بامتياز! ناهيك بأنَّ هذه الجماهير “صحَت” على أصوات غيرِ صوت “السفير”، وباتت اليوم تتوزَّعَها أكثرَ فأكثر قوىً عديدة، ومنها ظلامية داكنة متعاظمة، ومحطاتٌ فضائية متكاثرة تُضاف، هي بدورها، إلى الوسائل الإذاعية السمعية الطربية الفائقة الشيوع قبيل انطلاقة هذه الجريدة بخاصة، وتنوع وسائل التواصل الراهنة وانتشارها الطاغي… لا نسَبَ لها كلِّها بالقراءة عمومًا، ولا حتَّى بالقيَم التي دأبت “السفير” على نشرها!
وكان “للسفير” دوماً أعداءٌ حقيقيُّون بسبب تحالفاتها وخصوماتها مع سلطاتٍ، عربية خصوصاً. ووقفت في أواخر عهدها، بقيادة رئيس تحريرها المستدام، في انحيازٍ تام لقوى العروبة كلها ضد حركات ومنظَّمات وأحزاب الإسلام السياسي، متخذةً من النموذج المصري الراهن دلالةً على رهاناتها العربية والعامة. في مؤتمرٍ حول موضوع المسيحيين العرب والاعلام، عُقد في بيروت عام 2013، قال سلمان: “إن العروبة تعني تقدُّم شعوب هذه المنطقة بأكثريتها الاسلامية نحو عصر الدولة المدنية التي لم يعرفوها لا في ظل الخلافة، ولا في ظل السلطنة [العثمانية] رافعةِ الشعار الاسلامي” (2013/2/1). فالعروبة هي عنده لاغية للتمييز الديني والمذهبي والطائفي الذي تحاول فرْضَه على شعوب المنطقة بالقوة حركاتُ الاسلام السياسي. ولم ير سلمان في هذا الموقف جديداً مغايراً لما كانت عليه “السفير” دوماً!
حالمٌ طلال سلمان. الحالمُ الشاعرٍ الذي لم يرغب من الشاعرية سوى اكتفاء بالمزاولة ومن غير تسمية. اتخذا له فياستراحة أسبوعية في جريدته رفيقاً مستدامًا اسمُه “نسمة” “الذي لم تُعرف له مهنةٌ غير الحب”، والذي يبثُّ له دوماً حكمةً عن الحب في سطرين أو أكثر قليلاً، مختتماً بها دومًا مقالتَه الطويلة. وأغلبُ الظن “نِسمة” (باسمه المؤنَّث هذا، الذي ينبغي دومًا التلفُّظ به بالهاء الساكنة لا بالتاء المربوطة والمحرَّكة، والذي يذكِّر فعلُ قولِه في الحب، بفعلِ “النِسمة في ليالي الصيف”، كما تقول أغنية محمَّد عبد الوهاب!). ولكن عشقه الذي يتوزع تلقاء على الأهل والاصدقاء والحبيبة و”السفير” هو أيضا جرديٌّ في المدينة ومن أرباب البراغماتية.
تتشبه “السفير” بواقع الوطن المنتحر، تحاكي سلوك أعدائه أعداءَها. لا يليق بها الكلام بصيغة الماضي. وعندما تنسحب وتغيب في عز تألقها ينبغي أن نخاف. ولا شيء يرفع هذا الخوف الكبير عن كاهل نفوسنا المرهقة غير “نسمة” شجاعة ممكنة مرغوبة وغير متوقعة من ذلك الحلم وتلك البراغماتية.
كلمة القيت في الحفل التكريمي لجريدة “السفير” الذي اقامته جمعية التخصص والتوجيه العلمي في 2017/3/23