كل شيء هادئ على الجبهة العربية، غير أن السماء الصافية في صحراء مصر الغربية تهطل مظليين أميركيين، تقذفهم “الطائرات العملاقة من طراز 141″، فتنتشر مظلاتهم كلطخات عار فوق جباهنا والوجهوه.
ومع ذلك نمضي في دردشاتنا الهادئة، حين نلتقي من حول الموائد أو في الصالونات الأنيقة، نناقش مزايا مشروع الأمير فهد برغم هناته الهينات.
لكأنما المظليون الأميركيون يقفزون إلى بعقة أرض مهجورة في بلاد “واق الواق”، أو لكأنما تحولت مصر إلى فرجينيا أو صحراء نيفادا أو التكساس أو بالأحرى “ريغان لاند” تيمناً بـ “ميري لاند” و”ديزني لاند” و”نومانز لاند” ولعلها الأصدق والأصح!
حتى حين يصدمنا الخبر في الصفحات الأولى للصحف – الأجنبية ثم العربية، أو في نشرات الأخبار التي نبثها الإذاعات باللغات الحية ثم بالعربية، نحول أبصارنا وأذاننا عنه ونتضاحك أو نتشاغل أو نستعيد التفاصيل وكأنما الأمر كله لا يتجاوز في الأهمية مباراة في”البيسبول” حتى لا نقول الشطرنج أو لعبة عظيمة الشعبية ككرة القدم!
بل إن بعضنا لا يخفي إعجابة بعسكر الإمبراطورية الأميركية الذين يقفزون فوق كراماتنا وقيمنا ومقدساتنا وتاريخنا كله، فيأرض مصر، بعد أن قطعوا المحيطات والقارات بلا توقف.
وغداً حين تجيء “القاذفات الجبارة ب – 52″، رأساً من بلاد العم ريغان لتتمرن على قصفنا (وبالذخيرة الحية)، ثم ترتد عائدة من حيث أتت، سيزداد إعجاب المعجبين تمهيداً لتعزيز “المبررات المنطقية” لتخاذل المتخاذلين وتفريط المفرطين واستسلام المستسلمين بغير قيد أو شرط… وأحياناً بغير طلب!!
هي مباراة إذن، معقودة بطولتها لفرد واحد أحد لا شريك له،
أما نحن فنوفر له الطباخين والسواقين والشيالين والندامى ورواة النكت والمتخصصين في أفانين الرفاه والانبساط وإرضاء المزاج وكل ما لذ وطاب وشرح النفس وأراح البدن المتعب بوعثاء السفر!
(للتذكير فقط نشير إلى أن عشرة 10 فقط/ من المظليين المصريين اشتركوا مع /866/ ثمانمائة وستة وستين مظلياً أميركياً في المنظر الأول، يوم أمس.
… وإن ألفي جندي مصري يسشتركون ، في بلادهم!!، مع أربعة آلاف جندي أميركي وافدين من وراء البحر،
أما في السودان والصومال ومسقط فأعداد المشاركين من الجنود المحليين ستكون رمزية أي بالعشرات) هكذا إذن،
يأتي الأميركيون ليتدربوا على قتلنا فنسعى في ركابهم ادلاء وسفرجية وشركاء في الجناية وشهود زور عليها، أكثر من هذا:
نقدم لهم السلاح السوفياتي الذي حصلنا عليه بعد معارك طاحنة معهم هم بالذات ليكتشفوا أسراره وليجربوا سلاحهم في مقاومته وتدميره، حتى تلغى – نهائياً فرصة التصدي لهم يوم تنتفض الأمة ثأراً لكرامتها الجريحة وسعياً وراء تحرير الأرض والإرادة والإنسان.
كل شيء هادئ على الجبهة العربية، تظاهرات الغضب تنتظر التراخيص الحكومية، وبيانات الاستنكار تنقصها الروح والعافية وصدق الاعتراض.
ومواكب الملوك والرؤساء والسلاطين تنتظم في الطريق إلى القمة… لا تحيد أنملة عن الطريق الذي شقته سيوف الفاتحين أمثال موسى بن نصير وعقبة بن نافع وطارق بن زياد!
بل لعلها تفيد من وجود “الأواكس” في رحاب آل مسعود لتهديها سواء السبيل، ولتمنع كارثة محتملة كان تصطدم طائرة أي من قادتنا العظام لا سمح الله ولا قدر – بإحدى “القلاع الطائرة من طراز ب – 52” وهي قادمة لتقصف ما تبقى حياً فينا فتدميره تدميراً!
وبهذا يستطيع السعوديون أن يتباهوا على “خصومهم” من العرب بأنهم أصحاب فضل في إنقاذ حياتهم، وإن هذه أولى نتائج انتصارهم العظيم على اللوبي الإسرائيلي في الكونغرس الأميركي!
ولربما وجدها جعفر نميري وسياد بري وقابوس بن سعيد بن تيمور فرصة لكي يطرحوا ما تنعقد القمة من أجله، فيلتفتوا إلى أقرانهم قائلين: “أما وقد أعزنا الله بنصر خص به الملك خالد والأمير فهد، وهزمنا الإسرائيليين شر هزيمة، فلماذا لا نستعيد مصر، والمحروسة، خصوصاً وقد ذهب السادات وجاء رئيس مبارك جديد لا نعرف من ظاهره إلا خيراً… وطلائع الخير واضحة جلية، فها هو يساعدنا على جذب القوة العالمية الأعظم، الولايات المتحدة الأميركية، لتتخذنا نحن العرب حليفاً استراتيجياً ضد الكفرة والملحدين بدلاً من الإسرائيليين المتعنتين والأجلاف”!
ووسط شلال الانتصارات يطرح مشروع الأمير فهد باعتباره “الكمال في المتعة” بما هو تتويج للانتصارات جميعاً، وحل للمشاكل والأزمات والحروب جميعاً، فتشرئب الأعناق لتلمح “المبادر”، وتبلغ القلوب الحناجر وتلتهب الأكف بتصفيق المستحسنين من محترفي مد الأكف للتعبير عن صلابة الموقف السياسي!
كل شيء هادئ على الجبهة العربية،
لولا بقية من أمل لجاز القول: كل شيء ميت على الجبهة العربية،
والأمل الآن أكثر إشراقاً وتوهجاً، فها هي “القوة الأعظم في العالم” تستنفر طائراتها العملاقة جميعاً، وأسلحتها كافة بمن فيهم رجال المظلات لتتدرب على قتاله في البؤر القليلة المتبقية.
ولن ينتعش الأمل، ولن تعود الروح إلى إرادة القتال، إلا في ظل تحديات من هذا النوع، يقبلها الحكام صاغرين ويرفضها الثوار بصدورهم وسيوفهم ورصاص بنادقهم كما فعلوا في مدينة نصر يوم 6 أكتوبر (تشرين الأول الماضي).
والمهم أن تبدأ الحرب، ولو برصاصة، لكن الشرط دائماً أن تكون الرصاصة شرارة للثورة وليست إلغاء لها باغتيال الأفراد بدلاً من إسقاط الأنظمة المنحرفة!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان