هل نجح النظام الطوائفي في لبنان على “امتصاص” زخم الانتفاضة الشعبية الرائعة وغير المسبوقة، مستفيداً من عوامل مختلفة بينها الطقس المثلج الذي واجهته في شهرها الرابع، وأخطرها الخواء السياسي (المقصود؟!) حيث لا حكومة (وهذه ذريعة مقبولة بالاضطرار)، ولا مرجعية مؤهلة لاتخاذ القرار..
ام أن اهل النظام السرطاني تقصدوا التجاهل وانشغلوا عن الحراك الشعبي العظيم بيومياتهم التافهة (استقبل، ودع، صرح، رد فلان على علان).. وكل ذلك “طق حنك”، كما تعلمون ولكنه “يسلي” ويأخذ الناس بعيداً عن هجومهم إلى موبقات الطبقة الحاكمة وفسادها وهو ما جعلهم ينزلون بحشودهم إلى الميادين والساحات في المدن والبلدات والقرى مطالبين بإسقاط النظام؟
وبالتأكيد فان اهل النظام قد راهنوا على تعب الناس، أو تفجر الخلافات بينهم سواء على قاعدة سياسية، او قاعدة طائفية ومذهبية، نتيجة اليأس من قدرتهم على التغيير.. خصوصاً وقد “حاربتهم” الطبيعة فأمطرت وانهمر الثلج ليقطع الطرقات بين المناطق، وانشغل المواطن بتوفير وسائل التدفئة وتأمين الحاجيات الاساسية في ظل “اضراب” المصارف وامتناعها عن صرف مدخرات الناس فيها؟
يمكن استذكار عوامل أخرى في اسباب تراجع الزخم بينها:
اولاً: الطقس، بتحولاته التي تجاوزت التوقع،
ثانياً: الفرز الطائفي الذي فرض على المواطنين في بعض المناطق، والذي احرج الاهالي في بعض احياء بيروت (الطريق الجديدة والمزرعة).. لمواجهة الانتفاضة بذريعة مناصرة الرئيس سعد الحريري الذي ترك لبنان وذهب ليرتاح في باريس وعواصم أخرى، بما يتبدى وكأنه “حرد” او “احراج” للسلطة، وعلى قاعدة “انا ومن بعدي الطوفان”.
ثالثاً: تداعيات الفوضى المنظمة: القطع المبرمج للكهرباء والمياه، قطع الطرقات، خروج العديد من المشبوهين واصحاب السوابق في تظاهرات تهدف إلى نشر الفوضى والتعدي على الاملاك العامة والخاصة، وارتكاب بعض السرقات وبعض الصدامات المنظمة مع قوى الامن.
على أن الانتفاضة وجدت سبلاً أخرى لتأكيد حضورها، فقد انتقلت مع اول أيام العام الجديد إلى مواقع محددة بالذات، وبدافع التحريض ودفعها إلى انجاز تحقيقاتها في الجرائم المالية والمخالفات الخطيرة في المناقصة وفي تشغيل بعض المرافق العام: التفتيش المركزي، ديوان المحاسبة، الجمارك الخ..
ولعل الفشل او التأخير (لا فرق بين أن يكون مقصوداً او خارج قدرة المعنيين) في تشكيل الحكومة الجديدة، جعل المتظاهرين في وضع استثنائي، انهم يطالبون بإسقاط الساقط، ويطلبون حكومة جديدة.. ليسقطوها!
بعض حسني النية يعتبرون أن السلطة قد لجأت، كالعادة، إلى السلاح السري: الزمن.. لعل المتظاهرين يتعبون، او لعل المطر يفرقهم، او لعل العصبيات الطائفية (والمناطقية) تقسمهم أو، او…
.. ولقد جاء اغتيال قائد سرايا القدس قاسم سليمان في وقته تماماً، كحدث مدوٍ، في انعكاساته على الاوضاع العربية، فضلاً عن إيران بقيادتها وشعبها… من غير أن ننسى “حزب الله” ومن يحالفه ويقول قوله وينصره في اية مواجهة محتملة!
في أي حال، وبرغم كل المعوقات الطبيعية والسياسية فان اللبنانيين قد أكدوا انهم “شعب”، و”شعب واحد”، وانهم قادرون على الانتصار على سرطان الطائفية والمذهبية، وانهم يعرفون ما يريدون، ويرفضون ما ومن لا يقبلون.
والباقي يأتي لتكون سنة /2020/ تاريخ ولادة لبنان الجديد، لبنان الوطن الذي استولده شعبه بإرادته وبعزمه وبوطنيته التي تتعالى على الطائفية والمذهبية والتدخل الاجنبي.