برزت أهمية النفط الصخري الامريكي عند بدء زيادة انتاجه السريع في منتصف هذا العقد (حوالي عام 2014). ونظرا لحداثة هذا النفط غير التقليدي، الذي يتم انتاجه بواسطة ضغط المياه الممزوجة بالكيماويات التي تكسر الصخور، ومن ثم الحصول على النفط والغاز المتسرب من داخل هذه الصخور، لم تعر كبرى الشركات النفطية العالمية، وبالذات الامريكية منها، الاهمية اللازمة لصناعة النفط الجديدة في باديء الأمر. فالشركات التي استثمرت بكثافة في هذه الصناعة الحديثة، هي شركات صغيرة جدا، مؤلفة من عدد محدود من الجيولوجيين الذين اقترضوا مئات الملايين من الدولارات من المصارف الامريكية. وقدمت لهم المصارف والمؤسسات المالية الامريكية القروض اللازمة، متوقعة ان تحقق هذه الشركات الفتية ارباحا عالية، لان اسعار النفط كانت تشارف في حينه حوالي 100 دولار للبرميل، بينما تراوحت تكاليف انتاج النفط الصخري أقل من 50 دولار للبرميل، مما حقق ارباحا عالية لهذه الشركات.
أهملت كذلك الاقطار الاعضاء في منظمة الاوبك اهمية النفط الصخري على صناعة النفط العالمية وامكانية منافسته الصناعة التقليدية التي تجاوز عمرها القرن من الزمن. وتركزت الانظار في باديء الأمر على الاثار السلبية لانتاج النفط الصخري، بالذات تسرب المياه الضخمة الممزوجة بالكيماويات الى الاحواض الجوفية للمياه التي تستعمل في الشرب والزراعة. وقد غض النظر عن هذا العامل السلبي في ادارة الرئيس ترمب البئية.
أدى الانتاج العالي والسريع للنفط الصخري الامريكي الى اغراق الاسواق بالامدادات النفطية فانخفض سعر برميل النفط الخام في الاسواق العالمية خلال اسابيع محدودة خلال الاعوام 2014 ـ 2016 من نحو 100 دولار الى أقل من 30 دولار للبرميل. وتوقع البعض ان يتقلص انتاج النفط الصخري بانخفاض سعر النفط الخام. الا ان الذي حصل هو تمكن الشركات من تخفيض كلف الانتاج باستعمال تقنيات جديدة ذات كلف اقل. واهتمت بعض الشركات النفطية الاجنبية غير الامريكية بهذه الصناعة الجديدة فاشترت الشركات الصغيرة التي بدأت مسيرة انتاج النفط الصخري. ثم بدأت الشركات الامريكية النفطية العملاقة تبدي اهتماما بالصناعة هذه، فبدأت تساهم هي بدورها في اكتشاف وانتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة حيث أخذت تلعب دورا مهما فيها.
تكمن أهمية النفط الصخري في سرعة زيادة انتاجه مقارنة بالنفط التقليدي. فعلى سبيل المثال، اكتشف النفط في العراق (ثاني اكبر دولة منتجة في الاوبك) في عام 1927 وتبلغ الطاقة الانتاجية الحالية للعراق نحو 5 مليون برميل يوميا، مع العلم ان المؤشرات المتوفرة تدل على امكانية مضاعفة هذه الطاقة الانتاجية. هذا، بينما لا تزال صناعة النفط الصخري الامريكية في عقدها الاول وبلغ معدل الانتاج حوالي 6.5 مليون برميل يوميا في عام 2018، وتقدر ادارة معلومات الطاقة الامريكية (التابعة لوزارة الطاقة) في تقريرها السنوي لعام 2019 ان يستمر الانتاج في ازدياد ليصل حوالي 10 مليون برميل يوميا عام 2030 وليشكل نحو 60 بالمئة لمجمل الانتاج النفطي الامريكي (كلا من النفط التقليدي والصخري). يكمن السبب الرئيس في زيادة الانتاج هو تقليص تكاليف الانتاج بتحسين وتقليص تكاليف التقنية المستعملة.
تقود صناعة تطوير النفط الصخري مسيرة صناعة النفط الامريكية، وكذلك صناعة الغاز. فالاكتشافات ضخمة في القطاعين. وبادرت واشنطن الى الغاء الحظر الذي كانت قد فرضته على الصادرات النفطية والغازية في اوائل عقد السبعينات من القرن الماضي، فاخذت تسمح الان بهذه الصادرات. ومما ساعد على توسع انتشار النفط الصخري في الاسواق العالمية هو انه من النوع الخفيف الصديق للبيئة. وتم انشاء البنية التحتية اللازمة من خطوط انابيب وموانيء وبالذات مصانع لتسييل الغاز، لكن هناك تأخير في تصنيع انابيب التصدير وتوسيع سعة موانيء التصدير، بحيث هناك طاقة نفطية انتاجية فائضة منتظرة الانتهاء من عمليات التشييد اللازمة وذلك لزيادة التصدير خلال السنتين المقبلتين. وبالفعل بدأت الصادرات النفطية والغازية الامريكية تتجه الى الاسواق العالمية شرقا وغربا (الدول الاسيوية والاوروبية)، الاهم من هذا، لقد اكتفت الولايات المتحدة، بانتاجها النفطي والغازي باستثناء استيراد كميات نفطية محدودة من جارتيها كندا والمكسيك. وكما هو معروف يشكل السوق الامريكي باستهلاكه البترولي الضخم واحدا من اكبر الاسواق في العالم (الى جانب السوق الصيني). كما استطاعت الولايات المتحدة ان تنفذ سياسة الاكتفاء الذاتي البترولي ، هذه السياسة التي نادى بها مرشحي الرئاسة للحزبين الديمقراطي والجمهوري منذ عقد السبعينات للانفكاك عن استيراد النفط بالذات الاعتماد على الواردات من النفط العربي.
وتتوقع ادارة معلومات الطاقة الامريكية في تقريرها السنوي لعام 2019 أن يزداد انتاج النفط الصخري الامريكي ، بالذات من حوض بيرمين العملاق الذي يمتد من غرب ولاية تكساس الى شرق ولاية نيو مكسيكو. لقد بلغ الانتاج من حقول هذا الحوض نحو 41 بالمئة من انتاج النفط الصخري في عام 2018.
وتشير توقعات الادارة كذلك ان يشكل انتاج الحقول من حوض بيرمين نحو 17 ـ 19 بالمئة من انتاج النفط الخفيف الامريكي بحلول عام 2050. الا انه يجب الاخذ بنظر الاعتبار ان مستقبل زيادة الانتاج لهذا النفط سيعتمد مستقبلا على عدة عوامل: التطور التقني، طرق الادارة لتحسين الانتاجية وتخفيض كلف الانتاج ومعدل الاسعار في الاسواق العالمية مستقبلا.
هناك مؤشرات عدة لتوفر حقول نفط صخرية وغازية في دول اخرى من العالم. لقد استطاعت الولايات المتحدة الاسراع في الانتاج لعوامل متعددة: تسمح القوانين ان يستغل صاحب الارض الثروة الطبيعية تحت الارض، عكس معظم القوانين في الكثير من دول العالم حيث تعتبر الثروة الطبيعية تحت الارض ملك للدولة. وقد جعل من السهل على صاحب الارض ان يقدم ارضه الموعودة لقاء الحصول على شراكة في الشركات الفتية التي طورت النفط الصخري الامريكي. كما ان مشاركة صاحب الارض في هذه الشركات قد أسرع في عملية تأسيس الشركات وانطلاقها في العمل. ومما ساعد الولايات المتحدة ايضا هو توفر الشركات الخدمية والهندسية المتخصصة الضرورية في تطوير الحقول. ولربما العامل الاهم هو امكانية الحصول على القروض المالية الضرورية بالسرعة اللازمة. وكذلك توفر البنى التحتية اللازمة من خطوط انابيب وسكك حديد داخلية للمواصلات. لكن يبقى هناك موضوع خطورة تسرب المياه الكيماوية الى احواض مياه الشرب والزراعة وما ستواجهه من تحديات مستقبلية.
يتواجد النفط الصخري في دول متعددة. وقد بدأت كندا البدء بانتاجه فعلا، لكن بكميات محدودة أقل بكثير من الولايات المتحدة. ويتوفر النفط الصخري في عدد من الدول الاوروبية الا انه ممنوع تطويره في كل من روسيا وفرنسا وغيرهما. كذلك فهو متوفر في الارجنتين وليبيا والسعودية والصين (حيث تتم عمليات الاكتشاف والتطوير للحقول).
كاتب عراقي متخصص في شؤون الطاقة
تنشر بالتزامن مع جريدة الشروق