إذن فقد تحوّل الهاتف الخليوي من حلّ مفترض لمشكلة جدية قائمة وكان يمكن حسمها بشيء من الجهد وحسن الادارة وقليل من المال، إلى مشكلة جديدة مُكلفة جدù في الوقت والجهد والمال.
والهاتف الخليوي عنوان فاضح للبنان ما بعد الحرب، دولة وشعبù ومؤسسات! إنه رمز للتهافت اللبناني، على مختلف المستويات وبدءù بالمواطن الذي يتحمّل القسط الأوفر من المسؤولية عن الفساد والإفساد!
بداية لا بد من التذكير بأن حكومة النهوض الاقتصادي قدمت الهاتف الخليوي وكأنه الوصفة السحرية لحلّ المشكلات اللبنانية المعقدة والمزمنة جميعù.
قالت إنه يحل بسرعة عجائبية مشكلة الاتصالات الداخلية، حيث كان متعذرù الاتصال الهاتفي بين حي وحي آخر في المدينة ذاتها، أو بين شارع وآخر في الحي نفسه، أو بين عمارة وأخرى في الشارع نفسه،
وقالت إنه يعيد وصل لبنان بالعالم!
وقالت، وهذا هو الأهم، إنه جلاَّب المستثمرين والاستثمارات، »فكيف تريدونهم أن يأتوا ولا هاتف أو تلكس أو فاكس؟ كيف تراهم سيحوِّلون أموالهم، وكيف في عصر السرعة و»الدش« والأقمار الصناعية يجيئون إلى بلد يعيش في عزلة تامة عن العالم والمصارف والبورصة والأسواق المالية؟!«
كانت الحجة مفحمة فلم يستطع أحد أن يناقش ولو من باب المناكفة.
بدأت المساومات التي سرعان ما اتخذت شكل المعارك السياسية ذات الطابع الدولي!! فالشركات المتنافسة كانت تلخص العالم المتقدم كله من فنلندا في أقصى الشمال الأوروبي إلى الولايات المتحدة الأميركية على الضفة الأخرى للأطلسي، مرورù بألمانيا ومع »محطة إلى كل الاتجاهات« في فرنسا الصديقة..
ولأن الصفقات، أي التوازن في الحصص، هي ضمانة الوحدة الوطنية وركيزة الجمهورية الثانية، فقد أمكن الوصول إلى صفقة لكل فيها نصيب، وتمّت مجموعة من عمليات الفرز والضم والادغام بين الشركات المتنافسة بحيث قام »تكتلان« يضمان كل أصحاب النفوذ والحظوة وحق الفيتو.
هنا يجيء دور »المواطن« في بلد شعار كل إنسان فيه: أما عرفتني؟! إنتبه إذن إلى ألفاظك، واعرف، أولاً، مع مَن لك شرف الحديث!!
هجم اللبنانيون على »الخليوي« وكأنهم استكملوا كل عدة التقدم والجاه والاستثمار والإنماء وإعادة الإعمار ولم يتبق على واحدهم غير أن يحصل على الهاتف الذي لا يخطئ لكي يصبح رجل أعمال خطيرù يبز السويسري والياباني والألماني والسنغافوري كمان!
فجأة ظهرت الدولارات فدفعها مجاميع من الناس البسطاء، الذين لا هم بالأغنياء، ولا حتى بمتوسطي الدخل، والذين لا حاجة لهم فعليù إلى الهاتف العادي فكيف بالخليوي… ونشأت مباريات: مَن يحمل الصنف الأغلى و»الموديل« الأكثر حداثة متخليù عن »الموديل« القديم الذي »جلجق« فصار »في يد مين ما كان«!!
بعد رسم الاشتراك وثمن الجهاز جاءت فواتير المكالمات، وكلها بالدولار.. فدفعوا صاغرين،
لاحظوا أن الهاتف لا يعمل في العديد من الأمكنة، ولا يصلهم بالمناطق المختلفة، فسكتوا حتى لا يتهموا بالجهل في أصول عمل الخليوي،
أخيرù، بدأوا يسمعون وجهاءهم يشكون فشكوا، ويتذمرون فتذمروا، ويشتمون الشركة فشتموا، ثم تحوّل النقد إلى الحكومة فشاركوا في نقدها مع أنهم لا يعرفون بالضبط ما العلاقة بين الشركة والحكومة، خصوصù وأنهم افترضوا أنهم قد هربوا من الحكومة المتخلفة إلى الشركة الأكثر عصرية ودقة والتزامù.
الآن وقد استعرت الحرب بين الحكومة وشركتي الخليوي لا يعرف هذا اللبناني »العنطوز«، والذي يدفع كل ما يملك ثمنù لمظهر يموّه حقيقة وضعه الاقتصادي، أين يقف ومع مَن عليه أن يتعاطف، وإلى مَن يشكو أمره لأنه عمليù ضحية الطرفين معù: الحكومة والشركة أو الشركتين!
مَن المسؤول؟!
لا أحد يدري. فالحكومة تتهم الشركتين بالتقصير والإخلال بالشروط واستغفال المواطنين وبيعهم خطوطù تزيد عن قدرة المحطات والشبكة التي انشأتاها، والشركتان علنù أو سرù تتهمان الحكومة بأخطر من هذا كله، وتلمح إحداهما على الأقل إلى أن الحكومة تروِّج لشركة ثالثة لها علاقات جدية مع شركة تعمل في إسرائيل،
ولأن ” حكمته وهو يرأف دائمù بعباده فمن نعمه علينا أن خسارة اللبنانيين ظلت دون المائة مليون دولار،
وتصوروا حالتنا لو أن الحكومة طبّقت تهديدها بنشر خمسمائة ألف خط خليوي في لبنان؟!
مَن يحاسب مَن؟!
إنها، كالعادة، دعوى ضد مجهول،
أما التعويض فلسوف نجنيه من عشرات ألوف المستثمرين الذين جاء بهم الخليوي توكيدù لنجاح السياسات الاقتصادية للحكومة الذهبية!الإسرائيلي أنواع: متطرف، متطرف جدù، ومتطرف أقصى!
وليس على العربي غير أن يدفع باستمرار، حتى لا يسقط المتطرف »المعقول« فيأتي جماعة »الحد الأقصى« فيأخذون منه كل شيء ودفعة واحدة.
إي أن على العربي أن يدفع ما يملك، دائمù، ولكنه مخيَّر بين أن يدفع بالتقسيط وضمن مهل، أو يحمل متاعه على رأسه ويرحل حتى لا يموت بعدما يأخذون منه الأرض والمتاع والحلم واليوم والغد!
الدور الآن على المسجد الأقصى وقبة الصخرة،
وبينما الوفد الفلسطيني الأسير في بعض جهات إيلات »يفاوض« على جنين ونابلس ورام ا” وطولكرم، ويُمنع من ذكر مدينة الخليل، ها هم »المتطرفون جدù« يغيرون على المسجد الأقصى وقبة الصخرة ويحاولون احتلالهما ويهددون بهدمهما لاسترداد أملاك المغفور له داوود بن سليمان الذي مات قبل ليلتين وأوصى بإرثه للبولونيين والروس والتشيك والألمان والأوكرانيين والفالاشا الحبشيين، ناهيك بالمغاربة والعراقيين واليمنيين والسوريين واللبنانيين المتحرّقين شوقù للعودة إلى أرض الميعاد!!
وإسحق رابين، الآن معذور، وعلى ياسر عرفات أن ينقذه من هؤلاء الأجلاف الذين يتآمرون لإسقاط العملية السلمية ومعها بطلها الإسرائيلي المعتدل والمتهاون مع شركائه (الجدد) الفلسطينيين.
والإنقاذ لا يكون إلا بالتخلي عن المزيد من أرض فلسطين، لعل هؤلاء المتطرفين جدù جدù يرضون فيسكتون، ويستطيع رابين أن يفوز في الانتخابات المقبلة، متكئù على عصوين إحداهما أميركية والأخرى عربية، ثم يرد الجميل لبيل كلينتون فيفوز هو الآخر متكئاً على عصوين أحداهما إسرائيلية والثانية عربية، وهكذا يتسنى لعرفات أن يفوز بدوره بالرئاسة (انتخابù!!) متكئù على عصوين أولاهما إسرائيلية والثانية أميركية!
رئاسة ماذا؟! رئاسة على مَن؟!
ذلك ليس مهمù. اللقب هو الأهم وهو الأبقى!
لا مجال إذن للحديث عن مستقبل القدس… بالكاد أمكن للشرطة الإسرائيلية (وهي بشهادة الانتفاضة وفتيانها الأغرار غير متطرفة، كالجيش مثلاً، وهو للمناسبة »معتدل« بالمقارنة مع »حرس الحدود«)، أن تصد هجوم هؤلاء اليهود المتطرفين أكثر من »حرس الحدود« وتمنع اجتياحهم للمسجد الأقصى ومعه قبة الصخرة المشرفة.
بالمقابل فإن شرطة عرفات تقدم (للمرة الألف) على إغلاق صحيفتين فلسطينيتين في غزة، بحجة أنهما تنطقان بلسان تنظيمين متطرفين.
والتنظيمان »متطرفان« لأنهما يقولان بكيان فلسطيني في ظل هيمنة الاحتلال الإسرائيلي على »كل« فلسطين.
لا »حماس« ولا »الجهاد الإسلامي« ولا سائر التنظيمات المسماة »إسلامية« تقول بالكفاح المسلح، أو تدعو إلى التحرير الشامل الكامل من النهر إلى البحر، ولا تضم »شيوعيù« واحدù معاديù للأميركيين، ولا هي تقول بالثورة، وكلها طامح إلى اعتراف أميركي بوجوده، ويحاذر أن تصنفه واشنطن من دعاة الإرهاب،
مع ذلك يحلق عرفات ذقون القيادات وحواجبهم، ويمنع عليهم التظاهر، ويقفل صحفهم، ويبلغ أسماء الناشطين منهم خارج متناول يده إلى الإسرائيليين، ويعتقل مَن يرفع صوته احتجاجù في غزة ويقدمه إلى محكمة »أمن الدولة« حيث لا دولة ولا قضاء غير القدر الإسرائيلي!
التطرّف سياسة إسرائيلية رسمية، معترف بها دوليù، والعرب مطالبون بتلبية مطالبها من لحومهم كل يوم، في حين أن إسرائيل هي الأقوى، بكل المعايير، وهي التي تحتل أرض الآخرين وإرادتهم، وهي التي تملك الرؤوس النووية… ثم إنها هي، لا غيرها، واحة الديموقراطية في المنطقة!
ديموقراطية أقصى التطرّف العنصري!
أما عند الطرف العربي، والفلسطيني بالذات، وهو الضحية المطرود من بيته ومن أرضه، المشرَّد في أربع رياح الكون، المحروم من الهوية والجنسية والكيان، فإن ذكر فلسطين تطرّف، والقول بحقه في بعضها إرهاب، ومطالبته بالديموقراطية تعصّب ديني ذميم،
وهكذا فقد نستفيق ذات صباح فنجد الإسرائيليين يهدمون المسجد الأقصى وقبة الصخرة، والفلسطينيين خاصة والعرب عامة يقفون مكتوفي الأيدي لا يفعلون شيئù خوفù من اتهامهم بالتطرّف ومناصرة الارهاب!
ألا يمكن توجيه بعض التطرّف العربي إلى العدو بدل أن يظل كله موجهù ضد المواطن العربي؟!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان