يستقبل “العرب” في مختلف أقطارهم، مشرقاً ومغرباً، العام الجديد بقلق ممض على هويتهم وعلى مستقبلهم في أوطانهم التي تكاد “دولها” تكون مسترهنة لإرادة الخارج (الأميركي أساسا.. ومعه بطبيعة الحال العدو الإسرائيلي).
إن المشرق، بدوله جميعاً، يعج بالجيوش والتنظيمات المقاتلة باسم دول أجنبية أو مبتدعة (بينها خلافة البغدادي).. وبين شاطئ المتوسط غرباً وساحل البحر الأحمر شرقاً تحترق “الدول” التي كانت بين منطلقات الحضارة الإنسانية ذات يوم، والتي فشلت أنظمتها في أن تبنيها ثم في أن تحميها، وتتوزع أرضها ومقدراتها عصابات مسلحة تمولها وترعاها “أنظمة شقيقة” ويُعرب حكامها عن سعادتهم وهم يشهدون تدمير “الدول الشقيقة” معتبرين أنهم قد غدوا الآن بأمان في حماية الاستعمار (قديمه والجديد..)
إن فشل الأنظمة التي تولت حكم البلاد (بعد استقلالها!..) قد دمر الحاضر ومعه المستقبل.. فهي، بداية، لم تبنِ دولاً، بل لعلها قد دمرت “الدول” لحساب “النظام”، واسترهنت شعوبها كما لم يسترهنها المحتل الأجنبي، فاعتقلت المناضلين واصحاب الكفاءات ومات نخبة منهم في سجونها، كما تسببت في هجرة العقول التي كانت مؤهلة لبناء البلاد (بغض النظر عن شرعية قيام الدولة في كل منها..)
إن هذه الأنظمة قد تسببت في تدمير البلاد التي حكمتها بالعسف ومن خارج إرادة شعوبها، فأعادتها- صاغرة- إلى حظيرة الهيمنة الأجنبية (الأميركية..) فهي قد قضت على التعليم، وحولت الجامعة إلى تكايا للسلطان تجمل صورته عند مدخلها وفي صدارة كل كلية أو معهد، وحتى المدرسة. ثم أنها لم تهتم بأسباب الحياة (الصناعة والزراعة ومختلف أصناف الإنتاج) التي تحصن الاستقلال هذا إذا ما افترضنا أن بعض هذه الكيانات التي رسمها الاستعمار مستخدما الطائفية والمذهبية والعشائرية في ابتداعها، كانت مؤهلة أصلا للحياة، بإمكاناتها الذاتية.
إن معظم “الدول” العربية مرتهنة، الآن، للخارج، ومحتلة – عملياً – باحتياجها إلى مقومات الحياة ( صناعة، زراعة، تجارة ومعها أيضا الثروات التي وهبتها إياها الطبيعة..)، والتي لم تسمح لشعبها بأن يوظفها لخير بلاده..
إن معظم الدول العربية قد نالت “استقلالها” وباشرت احتفالاتها بالتحرر ورفعت رايات التحرر والعزة منذ سبعين سنة أو يزيد.. ولكنها ما تزال رهينة للأجنبي في أسباب حياتها.
ومن البديهي أن نشهد، وفي القريب، انتفاضات “العيش مع الكرامة” في العديد من الأقطار العربية، بديلاً من الحروب الأهلية التي تسببت فيها هذه الأنظمة العاتية فأعادت العرب إلى قبائل وعشائر وطوائف ومذاهب شتى، يحكمها ويتحكم فيها الأجنبي والإسرائيلي.
نشر هذا المقال في السفير العربي بتاريخ 18/1/2017