رحل الكاتب والصحافي طلال سلمان ولم ينشر مذكّراته (كذلك فعل زميله غسان تويني). ولم يكن سلمان عاجزاً عن ذلك، بل كان قادراً ومؤهّلاً، وفي سيرته كثيرٌ مما يستدعي الكتابة ويفيد المكتبة والقراء. لقد أقام في السياسة لعقود كانت صاخبة وزلزالية ومأسوية، وصلاته تجاوزت الحدود. وفوق هذا، ووسط هذا، أسس مؤسّسة إعلاميّة بارزة ومؤثّرة في لبنان و»الوطن العربي». وقد أطل من موقعه العميق على كواليس أحداث وحروب وصراعات وتحوّلات ودول وقوى وشخصيّات أثّرت في المنطقة وتاريخها، وفي العالم عموماً.
إزاء هذا، وغيره، يتقدّم السؤال لماذا لم ينشر مذكّراته؟ وهي بالتأكيد، لو نُشِرت، ستكون غنيّة ومفيدة وجذّابة. يمكن الجزم بذلك نظراً إلى ما في جعبته من أخبار وأسرار، وإلى خبرته في الكتابة والتوثيق، وإلى النضج الذي اكتسبه خلال العمر الحافل. وأهم من هذا كلّه هو عدم تردّده في قراءة التجربة الشخصيّة والمهنيّة والسياسيّة بشفافية لا تخلو من النقد الذاتي والجماعي، وتحمّل مسؤولية السلبيّات من دون تجميل الإيجابيّات.
لعل هذا الصحافي المخضرم تعب، أو تقاعس، أو يئس. ولعلّه ترك هذه المهمّة الشاقة والشائكة لغيره. ولعلّه لم يشأ أن يكتب السطر الأخير، أو أن يحرّر قصّته. لكنّ النتيجة، بلا شك، وللأسف، خسارة. وهي فادحة ومتعدّدة.
فعلى رغم أنّ عدم نشره مذكّراته يفتح الباب للآخرين كي يفعلوا، وهذا شأن ديمقراطي، إلا أن ذلك لا يلغي الافتقاد إلى نصّ بقلمه. وعلى رغم أن مدرسته مستمرّة وإن توقّفت «السفير»، إلا أن عدم نشره مذكّراته يطرح أسئلة عدة، شخصيّة ومهنية. وأبرز تلك الأسئلة ما يتعلق بقدرته على قول الحقيقة وما يعرفه. وإذا ما كان سلمان لا يمانع الشفافية في خصوصه، شخصيّاً ومهنيّاً ومؤسّساتيّاً وسياسيّاً، فإن ثمة حدوداً في شأن الآخرين. وربّما هذا من أعقد الأسباب التي حالت دون نشره مذكّراته. ويمكن القول هنا إن سيرته معروفة، وهو شخصيّاً في حياته لم يخفها، بما في ذلك تمويل مؤسّسته. في حين أن ما يعرفه عن أحداث جرت، وعن دول وقوى وشخصيّات، أكثر أهمية من ذلك.
برحيل طلال سلمان، الذي يأتي بعد سنوات من قراره وقف جريدته، تُطوى صفحة تاريخية. وإضافة إلى خسارة شخصه، والخسارات التي تلاحق الإعلام في لبنان في سياق انهيار وطني شامل، ها نحن نخسر قراءة نقدية ضرورية للإعلام والسياسة والثقافة كان يمكن أن يقدّمها طلال سلمان الصحافي والأديب والإنسان.
جريدة نداء الوطن