المقارنة مفجعة بين مجريات النقاش بل الاشتباك السياسي في اسرائيل، وبين تبادل الاتهامات بل الادانات المسبقة التي انطلقت في لبنان، مع بدايات الحرب وتواصلت خلالها ثم تفجرت عنيفة وموجعة مع توقف العمليات العسكرية، برغم استمرار الحصار الذي نسعى لفكه… بالوصاية الدولية!
في اسرائيل انطلق النقاش وتمحور حول العجز عن كسب الحرب .
لم يتوقفوا، هناك، عند مسؤولية من اطلق الرصاصة الاولى، الا بوصفها ذريعة ، اما القرار بالحرب فلم يكن موضع النقاش.. ومن هنا تركزت المساءلة حول مَن من القيادات السياسية والعسكرية يتحمل مسؤولية الفشل، وعليه بالتالي ان يدفع الثمن.
أما في لبنان فقد تركز النقاش حول الرصاصة الاولى كمنطلق لاعداد الملف الاتهامي عن مسؤولية المقاومة عن النتائج بمعزل عن السياق السياسي والعسكري الذي اخذ الاشتباك المحدود الى حرب، وبمعزل عن الاستهدافات المعلنة، اسرائيليا واميركيا وغربيا، لهذه الحرب… والتي حظيت بموافقات عربية، بعضها معلن، وبشكل فج، وبعضها الآخر مغطى بالتعاطف مع الضحايا الذين سقطوا نتيجة اخطاء المقاومة في التوقيت وفي تجاوز الخط الأزرق، والتي تسببت، بالتالي، في الكارثة التي حلت بلبنان، في اقتصاده لا سيما موسم الاصطياف الذي كان سيسد الدين العام البالغ اربعين مليار دولار، حتى لحظة اطلاق الرصاصة الاولى (و41 ملياراً في تقدير آخر وأكثر من 43 ملياراً في تقدير ثالث وهلم جراً).
في اسرائيل تبادلت القيادات السياسية والعسكرية، حاكمة ومعارضة، اتهامات بالتقصير، وبالدخول في حرب مقررة ولكنها استبقت موعدها، وبالتالي استبقت الاعداد الجيد الكفيل بتحقيق نصر ساحق.
كذلك فقد طرحت اسئلة اتهامية خطيرة حول المسؤولية عن قرار المضي في الحرب، بأكثر مما كانت تقتضيه مصلحة اسرائيل، وسمعة جيشها على وجه التحديد، ثم سلاحه، لا سيما الدبابات التي تسلى باصطيادها رجال حزب الله، وكأنهم في نزهة ، كما قال بعض خبرائها العسكريين.
قيل كلام صريح عن ان المصلحة الاميركية في هذه الحرب، وربما لأسباب تتصل بمصالحها وخصوماتها واخفاقاتها في العراق خصوصاً، كانت تتقدم المصلحة الاسرائيلية… وان يد وزيرة الخارجية الاميركية كانت فوق اليد الاسرائيلية، وانها كانت صاحبة القرار بتطويل امد الحرب التي آذت اسرائيل سياسياً وعسكرياً، عربياً وإسلامياً ودولياً..
لكن القيادات اللبنانية المخاصمة سياسياً ل حزب الله ، من قبل الحرب الاسرائيلية وبمعزل عنها، انطلقت من خصومتها ليس فقط كي تدين المقاومة وتحمّلها المسؤولية عن الدمار والخراب واعادة البلاد عشرين سنة الى الوراء، بل كي تتورط بوعي او من دون وعي في تبرئة اسرائيل من المسؤولية عن هذه الحرب… حتى لا نقول انها جعلت اسرائيل ضحية مظلومة ومعتدى عليها، ولولا شيء من الحياء لكانت طالبت بالتعويض عليها.
لقد اخذت لوثة الخصومة بعض القيادات اللبنانية الى الخطأ الفادح، فتعامت عن الصمود العظيم وعن التكاتف والتعاضد
والتضامن وسائر تجليات التوحد في مواجهة الخطر، وفي اكبار بسالة المجاهدين وثباتهم عند خط النار، ونجاحهم في تجميد حركة الجيش الاسرائيلي ومنعه من التقدم، برغم غارات قتل الأطفال والنساء والجسور والمرافق العامة ومطاردة الشاحنات الناقلة للمياه والمحروقات والخبز…
لقد اعطت العدو ليس فقط ما لا يستحق، بل ما لم يحققه فعلاً في حربه التي عجز عن كسبها عسكرياً.
ثم انها تكاد تضيع رصيداً عظيماً للبنان، تحقق له فرفع رصيده في عيون العرب والمسلمين وأحرار العالم الى مرتبة لم يبلغها في كل تاريخه، متخطيا جميع الانظمة والحكومات العربية، معيداً ومستعيداً ذكرى ابطال النهوض العربي، في الماضي البعيد كما في الزمن الجميل الذي ما زال حيا في الذاكرة.
هل من يصحح مسار النقاش في لبنان حتى لا نخسر مع شرف الصمود في وجه العدو وحربه الطويلة هذا الرصيد العظيم الذي نكاد نذروه مع الريح بالنكاية او بمنع المنافس المحلي من تحقيق بعض النقاط داخل المستنقع الذي نكاد جميعاً نختنق فيه؟!