في المدى الفاصل بين جثتي السلفين التاريخيين: الملك عبد ا” بن الحسين بن علي الهاشمي، و«بطل الحرب والسلام» في إسرائيل إسحق رابين، التقى الخلفان الصديقان ـ الشريكان الملك حسين بن طلال بن عبد ا” الهاشمي والوارث الزعامة والقيادة والرئاسة بمصادفة قدرية شيمون بيريز.
ارتدت تل أبيب ثياب الشرطة والعسكر وزيّنت شوارعها بأعلام «الثورة العربية الكبرى» وهي تستقبل «بحفاوة» لم يشهد لها بيريز مثيلاً، ملك الأردن في زيارته الأولى رسميد وعلند، بعد زيارات عديدة سبقتها فمهّدت لهذا الحدث الاستثنائي: أول رئيس عربي يأتيها ضيفد!
من حق الملك أن يحظى بأكثر من هذا، إسرائيليد،
فهو قد خرج من فلسطين بعد الهزيمة العربية الثانية في 5 حزيران 1967، بعدما كان دخلها جده بفضل الهزيمة العربية الأولى وضم «بقاياها» الى إمارته في شرقي الأردن في 24 أيار 1950،
وها هو يجيء الآن إلى إسرائيل، يقود طائرته بنفسه، وكأنه كان يتعجّل الخروج من فلسطين وعبئها الدموي الثقيل، لينتقم منها لجده بالتحالف العلني والشراكة المفتوحة مع «وريثه» و«وريث» الفلسطينيين في أرض الميعاد المقدسة.
إضافة إلى الشرطة والأعلام والحفاوة التي بلغت ذروتها بكلمات أرملة رابين «العزيزة ليا»، أعطته إسرائيل سطرد في صدر الصفحة الأولى من «يديعوت أحرونوت».
سطر عربي واحد في صفحة واحدة من عدد واحد من جريدة إسرائيلية واحدة: «أهلاً وسهلاً بجلالة الملك حسين المعظم».
سطر عربي في التاريخ العبري الحديث. كثيرد ما يكون الاستثناء شواذد أو تشهيرد، فالمعنى ملتبس في الخارج على تاريخه: هل هو الرائد أم هو المتجرئ إلى حد التهور؟! وهل سيذكر بوصفه «السابق» و«بعيد النظر» أم بوصفه «الخارج» والمتسرّع إلى حد الانتحار حرصد على مرتبة «الأول»؟!
ü ü ü
أهم ما في زيارة الملك الهاشمي، الأولى رسميد وعلند، هو توقيتها،
فالملك من أهل البيت، في إسرائيل أيضد، ولم يكن بحاجة إلى حرس الشرف في المطار وطلقات المدفعية الوهمية، إذ كثيرد ما جاء من قبل يقود سيارته بنفسه ولقي حفاوة دافئة وأكثر حميمية من هذه «الرسميات» المبالَغ فيها لتضخيم حجم الزائر العربي الأول من هذه المرتبة الممتازة.
أما التوقيت فيقصد منه استفزاز العرب الآخرين إلى حد التجريح،
والعرب المقصودون بالابتزاز المهين هم في الدرجة الأولى الفلسطينيون ومن ثم السوريون واللبنانيون، ومن خلفهم سائر اهل دول الطوق او المواجهة ثم دول المساندة، لمن لا يزال يذكر!
الملوك ضعاف الذاكرة، ثم انهم يفضلون نسيان الماضي مع الاقوياء لشراء وقت في المستقبل. لا وجود لفلسطين في ذاكرة الملك. لم يهتم بأن يسأل عن احوال رعاياه السابقين، وقد حكمهم قرابة ربع قرن بمجموعهم، ثم اكتفى بنصفهم تقريبد رعايا بلا هوية اصلية في مملكته «الأردنية» المجددة والمحمية جيدد بدورها «الاسرائيلي».
اما السوريون المستغرقون الآن في هموم الجولة الأقسى والأدق من حرب المفاوضات مع إسرائيل، فلا يملك العاهل الأردني ما يؤذيهم به أكثر من زيارته الودية هذه لتل أبيب ليلاقي فيها وزير الخارجية الأميركي الآتي للضغط من اجل «حل وسط» يفتح الباب أمام نجاح انتخابي باهر لرئيسه كلينتون وللحليف الاستراتيجي الكبير شيمون بيريز.
… وأما لبنان فقد سقط تمامد من اهتمامات الملك الا حين يريد ان يشاغب على الدور السوري حاضرد ومستقبلاً، فيستذكره بما يزيد من الرصيد الاسرائيلي في المواجهة «الحربية» في المفاوضات السلمية.
üüü
هل ذهب الملك يبيع الأوهام في تل أبيب؟!
وماذا يملك من أمر العراق غير الرغبة في الانتقام لأبناء عمومته، بالمعنى الشخصي؟!
اما بالمعنى العام فهو كمن حاول ان يبيع جلد الدب، سواء أكان الموضوع العراق أم الجزيرة والخليج، بدءد بالسعودية وانتهاء باليمن!
وهل انعدم «الباعة» و«المشترون» والسماسرة في الاقطار المعنية؟! ومن قال ان الشطارة ترتبط دائمد بالمرتبة الملكية؟! ثم من قال ان موعد الصفقة، في الساعة الاسرائيلية بداية، وفي الساعة الأميركية ثانيد، وفي الساعة «العربية» ثالثد قد أزف فعلاً؟!
هل هي مجرد تظاهرة ملكية في الدولة الملتبسة هويتها السياسية بين العنصرية الدينية والاشتراكية «الأميركية»؟!
هل ذهب الملك الى تل أبيب فقط ليعلن الحرب على سوريا ومعها لبنان، وليضعف موقف الفلسطينيين الضعيف أصلاً؟!
أم ذهب الملك يشتري مزيدد من الوقت بتأكيد أهميته كعنصر ضغط على الطرف العربي الذي ما زال يخوض حرب المفاوضات الشرسة مع إسرائيل الطامحة لأن تكون الملك الأول والأخير على كامل الأرض العربية؟!
وهل ستنجح «الجثث» في ان تحكم المستقبل باستقواء الماضي على الحاضر الضعيف؟!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان