إذن، فالمطلب اليوم العودة إلى »النظام القديم«!
ويكاد »النظام الجديد« يبدو كالأيتام على مأدبة اللئام، فيفتقد النصير، ولا يجد من بين »أبنائه الشرعيين« و»المنتفعين« به، وما أكثرهم من يرفع صوته بكلمة دفاع، أو بمحاولة تقديم عذر عن التقصير!
لقد أنكره الجميع، وأساسا مَن ينتفع بخيراته، قبل صياح الديك!
السلطة التي جاءت باسمه تبدو الآن غير معنية بمصيره، يستوي في ذلك الرؤساء والوزراء والنواب وأصحاب المصالح العظمى ممن أفادوا منه فصاروا أثرياء وقد كانوا معدمين، وصاروا »قيادات« وقد كانوا »نكرات«،
خلال أقل من عشر سنوات تم القضاء الكامل (؟) على »النظام الجديد«، فحوكم وأدين بمجموعة من التهم القاتلة التي تكفي واحدة منها »لإسقاطه«:
{ بين التهم أنه نظام قد »أسلم« الحكم واستبعد »المسيحيين« عن القرار، أو أنه حجَّم دورهم فيه فرماهم في الإحباط.
{ ثم انه أضعف موقع رئيس الجمهورية، بعد تحديده صلاحياته، فكانت بدعة »الترويكا« حيث تمت محاصرة »الرئيس المسيحي« الضعيف أو المستضعف بين »رئيسين مسلمين« قويين (؟)، وضمن »مؤسسة مجلس الوزراء« التي لا يملك فيها لا الأكثرية ولا حتى أقلية الثلث المعطل..
{ كما أنه ضرب الطبقة السياسية (الأصلية) أولاد البيوتات والزعامات والوجاهة المتوارثة أباً عن جد، واستبدلها أو أنه حاول استبدالها بمجموعات من »أبناء السبيل« الذين اقتحموا الملعب بقوة السلاح، وحظوا برعاية خاصة مما مكَّن من أن يُفرضوا على الشعب نوابا ووزراء وقيادات راسخة، تُفصَّل لها القوانين والدوائر الانتخابية على المقاس، وتوفر لها المحادل والبواسط واللوائح المعلبة لتصل الى موقع القرار، بغير تعب، وكمكافأة عن »خيانتها« لطبقتها أو لحزبها أو لطائفتها؟!
لم يتوقف أحد، لا في الحكم ولا خارجه، أمام المجريات التاريخية والانحرافات والسقطات التي وقع فيها »النظام القديم« وأخذ معها البلاد إلى الجحيم!
لم يتردد أحد وهو يبادر إلى إعادة الاعتبار الى »النظام القديم«، ورموزه أمام مسؤوليته ومسؤوليتهم عن الحرب الأهلية، عن الانحرافات السياسية، عن الاقتتال بين الطوائف ثم داخل كل طائفة (من حرب الجبل، إلى الحرب على الضاحية وبيروت، الى حروب الإلغاء والتحرير وتعطيل الحياة السياسية الخ).
فجأة قرر أهل »النظام الجديد« الأخذ بمبدأ عفا الله عما مضى، وتسابقوا إلى كسب ود أو كسب تأييد رموز »النظام القديم«، بل وأحلّوهم في موقع الصدارة، وهمّوا بأن يعتذروا لهم عما تقدم من ذنوبهم وما تأخر..
بهذا المعنى فإن المعركة الانتخابية تبدو في بعض وجوهها وكأنها إقرار من القائمين بالأمر وكأنهم »مغتصبو سلطة« من أهلها »الحكام الشرعيين« أصحاب الحق التاريخي الذي اغتصبه »أبناء السبيل« تحت راية الدعوة الى التغيير، ثم ثبت أن هؤلاء قد أضاعوا الفرصة التاريخية وانشغلوا عن مهمتهم »الثورية« بالمكاسب والمنافع فصار وجودهم في السلطة اغتصابا لحق »أولاد الناس والأصول«.
وصار ضروريا بالتالي اعادة الحق الى نصابه واعادة الاعتبار الى النظام القديم والحكم بموجب آلياته وقواعده »وأدبياته«!
الطريف ان الجميع يشارك في اعادة الاعتبار هذه، الحكم والحكومة والمعارضات و»القوى الجديدة« التي »انتجها« النظام الجديد او انها ما كانت لتأخذ فرصتها لولاه فتدخل الى حرم النظام وتحمل هوية الانتماء الشرعي إليه وتطالب بحصتها من منافع الحكم تحت ظلال شعاراته »الثورية«.
ضاعت الحدود تماماً بين ما كان وما يجب ان يكون.
تمت تحالفات تتجاوز اي منطق، واستعيدت ذكريات عزيزة من أيام الانتداب الفرنسي، وتداخل القومي السوري مع الكتائبي تحت راية ميشال المر، واقترب »حزب الله« من »حزب الوعد« في مكان ومن رفيق الحريري في مكان آخر، وصار حزب الكتلة الوطنية »بيضة القبان« ومحور تجديد العلاقة التاريخية بين الدروز والموارنة، وحالفت »الجماعة الاسلامية« السلطة في مواقع، وخرجت على طاعتها في مواقع اخرى، وشق الضغط الكتلة الارمنية الصماء، وأسقط مرشحون بالمظلات على وزراء طالما شكلوا خط التواصل والامتداد بين النظامين، القديم والجديد، استعادت بكركي موقعها الذي كان لها في النظام القديم.
وتمحورت الانتخابات جميعها من حول »الصوت الماروني« بحيث تبدو »المعركة« وكأنها ستبدأ وتنتهي مع اعلان النتائج في جبل لبنان والشمال، بينما لن يتوقف احد امام نتائج المحافظات الثلاث (بيروت والبقاع والجنوب) برغم انها يفترض نظرياً ان تقرر »هوية« رئيس الحكومة المقبل.
ففي »النظام القديم« ثمة رأس واحد له القرار.
ربما لهذا تبدو المعركة »هادئة« نسبيا على جميع الجبهات ومحتدمة فقط على جبهة الحكومة المقبلة وشخص رئيسها بالذات.
الطريف ان بعض المسؤولين المشاركين في هذه الحملة، يغفلون انها انما تأخذ من رصيد الموقع نفسه وليس من رصيد المرشح المفترض له، اذا ما كانت نتائج الانتخابات النيابية و»أحجام« الكتل هي المعيار.
ان ابرز الملامح المؤكدة لعودة النظام القديم هو هذا الاضعاف اليومي المتعمد، بل هذا التشهير المفتوح بالمجلس النيابي الجديد، من قبل ان يولد، ومن ثم بدوره في اختيار الحكومة المقبلة ورئيسها العتيد.
على ان الحاصل فعليا ان عودة »النظام القديم« تضعف كل رموز »النظام الجديد«، الرئاسات الاولى والثانية والثالثة، والنيابات والوزارات، إلا اذا هي قدمت تنازلات يومية تعيد البلاد الى مناخات الاحتدام الطائفي، وتخرج الشعب من وعلى النظامين معاً، فسقوط الجديد ليس شهادة بعدالة »النظام القديم« او بقدرته على الانجاز… فلقد جربه اللبنانيون ثلاثين سنة او يزيد فلم يجنوا منه الا الانقسام والا التخلف والا العداء الجدي للديموقراطية.
و»الديموقراطية المرة« اقصر طريق الى الماضي الأسود، مهما اجتهد المجتهدون في تبييض وجوه »أبطاله« من ابناء الزعامات والبيوتات التاريخية والوجاهات الذين ثبت انهم لا يتورعون عن دفع البلاد الى الهاوية من اجل حفنة من الدولارات.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان