يستطيع اللبنانيون، الآن، أن يتحمّلوا بصبر انقطاع التيار الكهربائي عن بيوتهم، وما ينتج عنه من خلل في حياتهم اليومية، وفي كلفة هذه الحياة!
إن معنوياتهم في أعلى مستوى بلغته منذ سنوات، فقد تأكد لهم، وبالملموس، أنهم ليسوا وحدهم، وأن لهم وشقيقهم التوأم سوريا، أخوة يهتمون لأمرهم وينصرونهم ويقفون إلى جانبهم فيعززون صمودهم ويلتفون من حول مقاومتهم الباسلة، ويتبنون نهجها وشعاراتها بوصفها »المقاتل باسم العرب ونيابة عنهم ومن أجلهم«.
لقد رفع ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز سقف التأييد للبنان ومقاومته من المستوى العاطفي إلى المستوى السياسي، مؤكدا الالتزام الكامل بمنطق »هذا الشعب الصلب المكافح الذي يحمل راية الكفاح والمقاومة في يد ويبني باليد الأخرى«، متعهدا بأن لبنان لن يترك وحده، ولن يُسمح لإسرائيل باستضعافه بل سيبقى »عزيزا منيعا بأهله ثم بإخوانه«.
من قبل كان الرئيس المصري حسني مبارك قد جهر بتأييد المقاومة، والوقوف إلى جانب لبنان، بزيارته بيروت وحديثه فيها عن الحق المشروع لمجاهدي المقاومة بالتصدي لجنود الاحتلال، ورفضه منطق »العقاب الجماعي« أو »إرهاب الدولة« الذي تمارسه إسرائيل ضد لبنان الدولة واللبنانيين جميعا.
وفي ما بين الزيارتين وصلت بيروت العديد من رسائل التضامن العربي، لعل الكويتية كانت الأبرز، كما أن رسائل أخرى في الطريق.
على هذا بات ممكنا، ومنذ الآن، أن نتوقع من المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية الذي سينعقد يوم السبت المقبل في بيروت، أن يتجاوز إطار التضامن اللفظي (التقليدي) وأن يرتفع بمستوى الدعم السياسي، وربما المادي، للبنان بحيث يجيء ردا عمليا على محاولة الاستفراد وعمليات الاستنزاف والإنهاك التي يمارسها ضده الاحتلال الإسرائيلي.
لقد استعاد اللبنانيون الشعور بالطمأنينة وهدأت نفوسهم وتوطدت أكثر من أي يوم مضى ثقتهم بأنفسهم حين تأكدوا أنهم ليسوا وحدهم، وكانت الطمأنينة قد غادرتهم بعد الضربة الإسرائيلية الأخيرة التي لم تقتل النور في بيوتهم فحسب بل هي جعلتهم يتساءلون بكثير من الخيبة والألم: وماذا تجدي مقاومتهم إذا ما استمرت وحيدة في المواجهة لا تجد السند الضروري إلاّ في الموقف المبدئي للحكم والتضامن العاطفي للشعب وهو قابل للارتجاج، والدعم السياسي من سوريا؟!
تبدى لوهلة ان المعادلة ظالمة جداً ومستحيل الاستمرار فيها: فإذا نجحت المقاومة في تصفية عميل خطير او في التصدي الناجح لجنود الاحتلال فصرعت بعضهم فوق الارض اللبنانية المحتلة، تكبد اللبنانيون اغلى المنشآت في بنيتهم التحتية واكثرها اهمية في حياتهم اليومية، الكهرباء.
… وكل ما يتحصلون عليه، في مجال الدعم والمساندة، تبرعات كريمة من افراد او هيئات اهلية تظل على قيمتها المعنوية اقل مما يتوقع ومما يجب، كما انها لا تعوض غياب الدول!
ثم ان رد الفعل العربي المباشر جاء ضعيفا بل ومخيبا للآمال، بحيث تزايد تدافع الشباب نحو السفارات الاجنبية يطلبون تأشيرات الى أي مكان بحثاً عن مستقبل، أي مستقبل، وارتفعت النغمات الانهزامية تتساءل عن »جدوى مقاومة تقتل جنديا فتهدد الوطن كله في امنه وربما في ما هو اخطر!«.
على المستوى الرسمي العربي ساد الصمت، في ما عدا تصريحات مكررة ومستعادة تشجب او تستنكر او تستغرب هذا »التصعيد الاسرائيلي«، بينما ظلت الكتابات الصحافية كلاماً طيباً تتطاير حروفه في الهواء، في حين كثرت التلميحات حول »المقاصد الفعلية« ل»حزب الله« من ضرباته وتوقيتها!!. فثمة من نسبها الى »رغبة سورية« في الضغط على اسرائيل للعودة الى طاولة المفاوضات، وثمة من لمح انها »مشاغبة ايرانية« ليكون لطهران دور او رأي في ما يجري… وفي كل الحالات فهي لا تفيد إلاّ في استفزاز اسرائيل ومن ثم في توفير الذريعة (؟) لها لتدمير لبنان!! أي ان الجميع تجاهل واقع الاحتلال وانه السبب، وان المقاومة نتيجة،
بل لقد وجد من اخذ على السلطة في لبنان »تطرفها« وتبنيها لمنطق المقاومة بل وتجاوزه، خصوصاً في الحديث الرسمي عن »سقوط الحصانة عن المدنيين الاسرائيليين إذا ما اسقطتها اسرائيل عن المدنيين اللبنانيين«.
لكن ذلك يبدو الآن »حديثاً في الماضي«،
الآن صار للبنان سقف عربي، وسقف عال، بعد الموقف القوي والصريح جداً والمباشر والقاطع في وضوحه الذي اطلقه ولي العهد السعودي، مندفعاً بالدعم للبنان الى ابعد مدى قصده الرئيس المصري وسائر المسؤولين العرب الذين لم يتبنوا المنطق الاميركي الاسرائيلي الذي وصف المقاومة بأنها »عدو السلام«.
ان لبنان بخير،
ان لبنان لفي أمان،
أما الكهرباء فستعود لتشع في بيوتنا التي أضاءها الآن اليقين باننا لسنا وحدنا، ولسنا متروكين للريح الهمجية الاسرائيلية، ولا نحن في عهدة اشتراكي متهور ويساري متأمرك مثل رئيس حكومة فرنسا ليونيل جوسبان، الذي »باع« العرب جميعاً بثلاثين من فضة الأصوات »الاسرائيلية«، بينما يحاول »رفيقه« الايطالي ماسيمو داليما »تصحيح« ما لا يصحح في تصريحاته حول لبنان ومقاومته باعادة صياغة موقفه »أوروبياً« بما يتناسب مع واقع الحال.
ونفترض انه لا الرئيس المصري ولا ولي العهد السعودي ينتظران الشكر من اللبنانيين، ومع ذلك فان اللبنانيين يصرون على اظهار الامتنان، فليس أقسى من ان تكون وحدك في مواجهة عدو يصوِّر نفسه وكأنه العالم كله، بمن فيه »اخوانك الأقربون«،
شكراً للذين ثبتوا ايماننا حينما جهروا بعروبتهم ليس فقط كانتماء بل كالتزام.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
What's Hot
المقالات ذات الصلة
© 2025 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان