لا أعلم حتى هذه اللحظة ما الذي تحاول فعله؟ على ماذا تراهن في أن “تمشي” هكذا بلا سابق إنذار ولا وداع. أتعلم أنه ليس من حقك أن تترك خلفك 15 سنة، بحلوها ومرها، 15 سنة من الأخوة والدسائس والنميمة و”المانشيتات”.. والسخريات حتى عندما تشتد المصائب من حولنا، فتحيلها إلى نكتة لاذعة أو “قفشة” ذكية تتحايل بها على ألم ما.
ولهذا أود أن أقول أنني حتى الآن لا أعلم ما اذا كان الذي ينتابني هو رغبة في البكاء أم القهقهة فيما أنت تندس هكذا مبتعداً. بالأمس قهقهنا أنا وحسين ومحمود ونحن نسترجعك عبر قلوبنا. وكأن هذه الأعوام الـ15 هي بالأمس فقط عندما أتيتني راغباً في اقتحام “السفير”، متحمساً، طموحاً، وبسيطاً في الوقت نفسه باستعدادك لتكون هنا بين “العصابة” من الزملاء الذين كانوا يكدون من أجل عالم أفضل وأكثر كرامة، أو هكذا إعتقدنا.
ونحن مفجوعون لأنه يبدو لوهلة لنا أنك خذلتنا وما اعتدنا منك أن تفعل. فقد كنت دائماً هنا وهناك، وكنت أتكىء عليك كلما تعثرت أو سقطت. ولهذا فان أحداً منا لا يجد أعذاراً مقنعة، اذ لطالما عودتنا أن تكون حاضراً، مقداماً، مبادراً، مبتكراً، في السند والأفكار والعطاء. ثم غافلتنا في لحظة ليل.
لم أنم بالأمس، وكابوس الفكرة يؤرقني. كابوس احتمال ألا تستيقظ ولو لمرة أخيرة، أقلها لنتبادل “طبطبة” دافئة كما إعتدنا أن نفعل كلما التقينا بعد سفر أو غياب، في أيام “السفير” أو في ما بعدها.
وإني أعترف أنني كنت دائم الحاجة إليك. فمنذ اليوم الأول لك معنا في الجريدة التي صارت كبيتك وبيتنا، كان حضورك المهني – والشخصي- يزداد. إذا احتجت صورة أفضل لصفحات الجريدة كنت ألجأ اليك، وإذا أردت إعادة النظر بعنوان المانشيت العربي والدولي، كنت أسألك أن تساعدني، وإذا واجهتنا مشكلة تقنية، ولم نرغب بانتظار “وجدي”، كنت تهم بمعالجتها، وإذا سادت الفوضى في دورة العمل – كمكتبك الفوضوي دائماً – كنت ألجأ إليك لتعيد تنظيم الأمور، وعندما تنهمر علي مشكلات الأقسام والمراسلين والمتعاونين.. والانكسارات، كنت تخطف الملفات من بين يديّ، لتتابعها بنفسك.
ولعلي – أقول الآن لنفسي – أثقلت عليك مرات ولم انتبه، فسامحني يا رفيق، فقد كانت همومنا معاً تمتد من الصين إلى مراكش، وكنا نحرص دائماً أن نكون الأفضل والأدق والأنجح – وقد كنا. ولا أخفي عنك سراً إن قلت انني أردتك أفضل مني في إدارة معاركنا المهنية في الكرة الأرضية، في الطابق الثالث “ما غيرو”، مثلما أردت الشيء نفسه لعلي وفايز وحريصي وايلي وملاك وداليا وحياة وكارمن ونغم ومازن وكل الذين واللواتي نزلوا معنا إلى خنادق القتال من أجل المهنة، وكما كان طلال سلمان يتمنى منا.
وأعلم أن الحروب أنهكتنا لاحقاً، لكنك في يومك الأول عندما جئت بفرط الحماسة هذه، قلت سنصنع التغيير في عالمنا وأنت تقول لي إن التحاقك بركب الصحافيين في “السفير” كان حلمك منذ سنوات. “لقيت نفسي” (باللهجة المصرية التي تحبها). وأقول الآن لنفسي، أن سعادة غريبة تغمرني في هذه اللحظة، ذلك أنني كنت جزءاً ولو ضئيلاً من ذلك اليوم الأول الذي شرّع أبواب العالم أمامك شرقاً وغرباً، حتى فتنت بالقاهرة وموسكو. وأتصور الآن ابتهاجك الدائم بهذا العشق الذي أفرح هذا القلب الطيب يا وسام. قلبك الذي صار كل هذا العالم وناسه.
سأتعرف على عوالم جديدة، وعلى مجتمعات وقضايا وأزمات، بفضلك. زدتني علماً. تغيّرتَ كثيراً في 15 سنة، عن ذلك اليوم الذي جئت فيه تدفعك حماسة تحقيق “حلم السفير” وقمتَ بـ”عقلنة” ثوريتك الشيوعية المطلقة. صرتَ تقرأ وتكتب بعين مهنية ذكية أكثر اتزاناً، وتقدمها لنا، من دون تخلٍ عن المبادئ، حتى عندما خضت تجاربك الجديدة بما فيها “180 بوست” التي وجدت فيها بيتاً حاضناً جديداً، وفي “سبوتنيك” التي أرضت شغفك الروسي الجديد.
صرت أخي يا وسام، رفيق درب، وصديقاً أستشيره بهموم وعواطف. وكنت كلما ذهبت الى مغامرة مهنية جديدة، تتصل لتحدد معالم معركتك المقبلة، إلا هذه المرة!
فهل يئست؟ أتطلعت حولك وشاهدت الكوميديا السوداء في أوطاننا التعيسة، وهل بلغت حداً لم تعد تنفع معها سخريتك اللاذعة؟
بامكاني ان أكتب لليالٍ متتالية عنك. ليتك تصحو لمرة أخيرة لنصفع هذه الحياة على مؤخرتها مجدداً. قم لـ”نشخر” لها مرة أخرى كما يفعل المصريون. ولملايين المرات التي فعلتها من قبل، شكرا لك “وساموف” مثلما كنت أناديك تحبباً بك وباللغة الروسية. شكراً لأنك كنت هنا.