كان الراحل الكبير سعيد فريحة لا يحب المطولات في الكتابة السياسية، ويفضل “الاسلوب الطري”، أي الحافل “بالقفشات” والتوريات واللمعات..
ولقد شاء لي سوء حظي أن أكلف بمحاورة الشيوعيين في سوريا بعد الانشقاق في الحزب الشيوعي السوري على قيادة خالد بكداش، والذي أقدم عليه قيادي بارز في الحزب هو رياض الترك… ثم كان عليّ أن احاور بعض المفكرين السياسيين في لبنان وسوريا والعراق حول القومية العربية والاشتراكية وموقع لبنان من هذا كله.
ذات يوم خميس (الموعد الاسبوعي لصدور “الصياد”) قالوا لي عند المدخل: أن الأستاذ يسأل عليك،
أدركت أن الامر جلل.. فدخلت على الأستاذ سعيد متوقعاً أن يتفجر غضبه في وجهي، من دون أن اعرف السبب..
رحب بي الأستاذ سعيد متجهما، ثم تناول العدد الأخير من “الصياد” وفيه واحد من المحاورات العقائدية، وقال: افتح يديك..
فتحت يدي فالقى بعدد “الصياد” فيهما، ثم قال لي مستغرباً:
ما وقعت؟! وبعد لحظات استدرك قائلاً: يا حبيبي من يقرأ أربع صفحات من الحوار العقائدي مع احزاب بائدة؟ حتى مع جمال عبد الناصر، كنت مستعداً لان اسمعه لساعات اما أن اقرأ خطاباته فلا.. المتعة في سماعه. انه مطرب عظيم، لا سيما حين يشتم من تعرف وأعرف.. أما هؤلاء الذين يعيشون مع ماضيهم فضيعان الوقت معهم وضيعان الورق..
فكرت ان أرد بأنه من كلفني بهذه المحاورات، ولكنني فضلت إرجاء النقاش.. إلى العدد التالي!
رحم الله هذا الكاتب الصحافي الذي أنشأ نفسه، واقام داراً صحافية عظيمة لم تجد من يحفظها!