خلال صيف 1970 اتيح لنا، كوفد صحافي، أن نجول في انحاء العراق، شمالاً وجنوبا ووسطا. كانت لنا محطة عند “المقرن” حيث يتلاقى نهرا دجلة والفرات عند شجرة “آدم” في منظر مبهج يكاد يكون فريداً في بابه (… هذا في تلك الايام التي لم تكن تركيا قد احتجزت مياه النهرين، وحرمت منهما العراق ومعه سوريا ـ بعض مياه الفرات …).
وحين قصدنا الموصل قيل لنا “الا تريدون التعرف إلى “الازيديين” الذين يتقول عليهم المتقولون ويتهمونهم بعبادة الشيطان؟”
في اليوم التالي انطلقنا إلى منطقة سنجار التي تقع عند الحدود العراقية ـ السورية، ومعنا دليل من وزارة الاعلام في بغداد.
أجرى الدليل الاتصالات اللازمة، ثم قادنا إلى مركز “المرجعية”، وهو يشابه “الكنيسة” او “المسجد”، وبين شروط الدخول اليه أن “تتجاوز العتبة ولا تدوسها”. التزمنا بالتعليمات ودخلنا إلى لقاء “المرجع” ذي اللحية المطلقة التي يحجب ما دون العنق منها، عند نزوله إلى بغداد.
تدفقت اسئلتنا غزيرة، بحجم فضولنا، وظل الرجل الملتحي هادئاً، يتلقى اسئلتنا مبتسماً ويجيب عليها باختصار، ولكن بوضوح.
شرح فلسفة “دينهم” ببساطة: قال أن الاديان، على اختلافها، تقر بوجود الهين، وتسمي اولهما اله الخير وتلعن الاله الثاني وتسميه اله الشر، او ابليس او الشيطان الرجيم.. فأما الاول فلا يحتاج أن تعبده لكي تتقي شره، بينما تعبد الثاني حتى لا يؤذيك!
من الطبيعي أن تنزعج هذه الطائفة من اتهامها بأنها من “عبدة الشيطان”، ولكنها مقتنعة بإيمانها، وماضية فيه الى يوم الدين.
من الاساطير التي تُروى حول تبرير هذا الدين: أن الله تعالى قد اعترف بالشيطان “شريكا”، فهذا اله الخير، وذاك اله الشر..
وهم يستشهدون ببعض ما ورد في القرآن الكريم وغيره من الكتب المقدسة عند بعض الشعوب والاديان، لتأكيد هذه الرواية.
أبرز ما يستشهدون به ما ورد في القرآن الكريم حين نهر الله الشيطان لأنه لم يسجد لآدم فرد عليه: وكيف اسجد له وقد خلقته من طين وخلقتني من نار؟
اما في الاساطير فيزعم بعض الرواة: انه حين خالف آدم الامر الالهي وخضع لإرادة حواء فأكل من التفاحة المحرمة نهره الله فهرب من وجهه وانطلق في بعض بساتين الجنة يريد الاختباء من وجه ذي العزة، فدخل في البداية جوف بعض الخس، فلما سمع الخس صوت الله المغضب انفتحت اوراقه جميعا فكشفت الشيطان.. وهكذا تركها واندفع يطلب ملجأً، فوجد امامه طاووساً فدخل فيه، وإذا بالطاووس يفتح ذيله المزركش والكثيف بحيث خبأ الشيطان الهارب من وجه الله.
ربما لهذا يتهم البعض “الازيديين” بعبادة الشيطان.. أما هم فمرتاحون مع أنفسهم، يهربون من الشر، ولا يعتدون على أحد، ويعتصمون بحبلهم، بعد الموصل، وقريب الحدود الشمالية لسوريا، وقد يزورون بغداد للتبضع، وقد يقيمون فيها تجاراً.
وآخر الروايات عنهم انهم يحتفظون في مكان سري بطاووس بحجم اسطوري يساوي كنزاً من أهم كنوز الدنيا لكثرة ما يضم ذيله من لآلئ وجواهر ومقرصنات من الذهب الخالص والفضة الصافية.. وهم لا يظهرون هذا الطاووس الا في يوم معين من السنة، يفترض انه يوم العيد، فيدورون به في مدينة سنجار، للتبرك، ثم يعودون به إلى مخبئه الحصين.. في انتظار العيد التالي..
“يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا” (سورة الحجرات)
ملاحظة: البعض يخلط بين الازيديين والصابئة، والحقيقة أن كل مذهب يختلف عن آخر اختلافاً بيناً.