دخل رياض طه الصحافة من باب الطموح السياسي..
كان شاباً يوم عاد من حمص التي درس فيها، اذ لم تكن في بلدته الهرمل، ولا في “بلاد بعلبك” جميعاً ثانوية رسمية.. ولقد باشر نشاطه السياسي مبكراً، خطيباً في المهرجانات، وكاتباً متحمساً يتوزع ولاؤه بين التيارات القومية العربية والحزب السوري الاجتماعي، مع تعاطف ضمني مع حزب البعث العربي الاشتراكي.
ولقد دفعته اهتماماته السياسية، بعدما استقر في بيروت، إلى اصدار مجلة “الاحد” التي كانت اشبه بمنشور ثوري، وقد لاقت نجاحاً ملحوظاً في لبنان وسوريا ومنطقة الخليج التي كانت بمجملها، بعد، تحت الاحتلال البريطاني.
في ظل تعاظم المناخ القومي وتوجهاته الثورية بعدما وجد القائد في شخص الرئيس جمال عبد الناصر، تحولت بيروت إلى عاصمة للصحافة العربية، مفيدة من المناخ القومي ومن الحدود المفتوحة بين بيروت- دمشق واقطار الخليج.
في هذا المناخ، رعت القاهرة، بصيغة او بأخرى الصحافة في لبنان لتُسمع صوتها في المشرق، من بيروت إلى اقصى الجزيرة والخليج.. وهكذا شجعت سعيد فريحة على اصدار جريدة “الانوار” اضافة إلى مجلة “الصياد”، ورياض طه على اصدار جريدة “الكفاح العربي” إضافة إلى مجلة “الاحد”، كما رعت محاولة حركة القوميين العرب في اصدار مجلة “الحرية”، ورعت حركة النجادة في اصدار جريدة “صوت العروبة” ومدت رعايتها إلى مجلات “الجمهور الجديد” لصاحبها فريد ابو شهلا و”الأسبوع العربي” لصاحبها جورج ابو عضل الخ..
صار لقاهرة عبد الناصر الكلمة الأولى في الصحافة اللبنانية التي كانت، يومئذ، صحافة العرب جميعاً، وان استمرت “الحياة” على ولائها “الهاشمي” ثم السعودي” و”النهار” على توجهاتها المحلية مع هوى غربي معلن، في حين كانت “العمل” جريدة حزب الكتائب، اما “لسان الحال” التي اصدرها جبران حايك، ظهرية، فكانت محلية مع ميل إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي ظل يحن اليه صاحبها ورئيس تحريرها.
في العودة إلى رياض طه، بعد نجاح “الكفاح العربي” اضافة إلى “الاحد” كان لا بد من المطابع، ثم اضاف إلى هذا كله وكالة انباء الشرق ” للأخبار المحلية”..
على أن هاجس النيابة ظل يطارد رياض طه ويعكر عليه علاقاته السياسية في الداخل والخارج.. وهكذا اعلن ترشيح نفسه مرة واثنين وثلاثة، بلا أمل في النجاح.. خصوصاً وانه قد اندفع، مع خيبة توقعاته، إلى اتهام دمشق، بداية، ثم الجمهورية العربية المتحدة جميعاً، بالتدخل ضده والعمل لإسقاطه وحرمانه من النيابة..
ربما لهذا، ولأسباب اخرة متعددة، أهمل مؤسسته الصحافية المهمة متعددة المطبوعات… وكانت النتيجة أن اوقف هذه المطبوعات واكتفى بأن يكون نقيباً للصحافة، خلفاً للراحل زهير عسيران.
بعد سنوات في النقابة التي صار لها وجود معنوي، ظل حنين رياض طه إلى السياسة يدفعه إلى مواكبة الاحداث والتطلع إلى دور سياسي، وقد وجد ضالته في “الامام المغيب” السيد موسى الصدر، وهكذا تقرب منه حتى قيل انه هو من “ابتدع” اسم “حركة امل” وذلك من خلال استخدام الحروف الأولى من تسمية “افواج المقاومة اللبنانية”.
على أن الحنين إلى الصحافة ومتاعبها دفع رياض طه إلى شراء امتياز جريدة “الزمان” وعاد إلى نقطة الصفر وهو يعمل لإصدارها وتأمين اسرة التحرير والمكاتب وأين يطبعها..
لكن القدر، او غدر الزمان، او صراع الانظمة والتوجهات، سرعان ما اودى بحياة رياض طه، النقيب، صاحب الدار الصحافية المؤثرة، الذي عزت عليه النيابة وما بعدها، فقضى برصاص نُسب إلى الثأر، لإبعاد الشبهات عن المخططين والآمرين بالاغتيال، قبل المنفذين.
رحم الله ابن الهرمل الذي غامر فنجح اكثر مما كان يقدر، لكن الاصرار على العمل السياسي ضيع دار الكفاح العربي بجريدتها ومجلة “الاحد” و”وكالة انباء الشرق” والمطابع.. ثم ذهب الغدر والرد على الكلمة بالرصاص بكل ذلك.