لم يكن لبنان يعرف شيئا عن »المقترحات« الأشبه بالإنذار التي قدمها الرئيس الأميركي المنتهية ولايته إلى السلطة الفلسطينية لوأد الانتفاضة والموافقة على اتفاق إطار (إذعاني) للحل النهائي (؟!) للقضية الفلسطينية عبر استئناف المفاوضات مع حكومة إسرائيل (وبشروطها) بشخص رئيسها المستقيل والمرجح سقوطه في الانتخابات المقررة بعد 37 يوما، إيهود باراك.
ربما لهذا، ولأسباب أخرى تتصل بعدم معرفته بالمقدمات التي سبقت والمراحل التي قطعتها المفاوضات والملابسات التي تحيط بها وأبرزها ما يتصل بمواقع المسؤولين الذين يباشرونها، فإن طلب لبنان إرجاء الاجتماع الذي ألح الجانب الفلسطيني على أن »تستدعى« إليه لجنة المتابعة المنبثقة عن مؤتمر القمة العربية الطارئ والخاص بالانتفاضة، من يوم الإثنين الماضي إلى يوم غد (الخميس)، قد وجد مبرراته في ما تلاه من تطورات جعلته وكأنه غير ذي موضوع،
.. اللهم إلا إذا حدثت مفاجآت دراماتيكية فجعلت هذا الاجتماع الطارئ فعلاً، مسرحا لحدث جلل ومواجهات بين العرب أنفسهم من حول المشروع الإسرائيلي الذي يتولى تسويقه رئيس أميركي يعيش بطالة الأيام الأخيرة في البيت الأبيض في انتظار تنصيب خلفه.
ذلك أن هذا الاجتماع الذي تستهل به الجامعة العربية نشاطها الفلسطيني في العام الجديد يبدو استثنائيا في طرافته حتى لكأنه مشهد في واحدة من مسرحيات اللامعقول: فصاحب العلاقة، ياسر عرفات، طار عشية انعقاده إلى واشنطن ليبلغ كلينتون مباشرة أسباب تحفظه (التي لا يعرفها العرب) على المقترحات التي اطلع عليها مسؤولوهم من الصحف قبل أن يبعث بها إليهم يوم أمس (الثلاثاء) بالفاكس من القاهرة…
أي أنهم قد يرفضون خلال اجتماعهم الطارئ ما قد يقبله عرفات في واشنطن بعد سماعه الإيضاحات التي طلبها، واقتناعه بها… فيظهرون بمظهر »شاهد الزور« في أحسن الحالات، أو »المزايد« »بالجمل الثورية« على »من يقدم الدم« على أرض فلسطين، في أبأسها، ويكون رفضهم مبررا جديدا لاندفاع عرفات بعيدا عنهم ودائما تحت راية القرار الوطني المستقل عن (عرب الصمود) والمرتبط بالمصالح الأميركية وعلى رأسها إسرائيل.
قبل أوسلو ثم بعدها وعلى امتداد سنوات التفاوض في العتمة والاتفاقات الشوهاء لم يكن عرفات حريصا على الحصول على موافقة عربية على ما يفعله، بل إنه كان يحرص على مباغتة العرب بما ينجزه، لا سيما من يعرف أو يقدر أنهم سيعترضون لأسباب عملية إضافة إلى الموقف المبدئي الملتزم بالقضية.
ومع استثناء مصر، وفي ظروف محددة المغرب والسعودية وتونس، فإن عرفات كان يستظل بالحماية الأميركية ليواجه الرفض العربي للاتفاقات الإسرائيلية.
لهذا يبدو لافتا إلى حد الارتياب في الغرض منه، طلبه الاجتماع العربي وحرصه على الموافقة العربية المسبقة على مشروع »الاتفاق الجديد« الذي يستحيل تنفيذه حتى لو تم التوقيع عليه، وخصوصا أن »عرّابه« الأميركي و»بطله« الإسرائيلي لن يكونا في السلطة بعد أيام،
ترى هل طلب عرفات الاجتماع العربي لكي يطلبه كلينتون فيوضح له مقترحاته الأشبه بالإنذار فيقتنع ويعود إلى المجتمعين ليفض لقاءهم ملوحا بإشارة النصر وهو يقول: »يعطيكم العافية، لقد أخذنا مطالبنا فعودوا من حيث جئتم سالمين«!. من دون أن يبلغهم ما الذي أقنعه بعد اعتراض وما الذي طمأنه بعد خوف؟!
أما وأن عرفات الآن في واشنطن فلم يعد ممكنا القول إنه طلب الاجتماع ليرفض بلسان العرب ما يعرف أن شعب فلسطين بشهدائه وجرحاه الجدد والذين ينتظرون، وبمشرديه الذين لن يعودوا من ديار اللجوء والشتات إلى أرضهم لن يقبلوه، حتى لو اتخذ صيغة التهديد على لسان كلينتون، وصيغة الحرب المفتوحة بدبابات باراك الذي يريد المزيد من الدماء الفلسطينية ليجني ما ينقصه من أصوات الناخبين الإسرائيليين؟!
إنها مناورة خارج الزمن.. فلا كلينتون يملك من الزمن في المسؤولية ما يمكِّن من التعامل مع مقترحاته وكأنها مشروع أميركي جدي للتسوية داخل فلسطين، ولا باراك يملك فائضا من الشعبية فضلا عن الوقت ليصرفه على مشروع يضمن له خسارة الرئاسة من غير أن يمكّنه من ربح الحرب ضد الشعب الفلسطيني وصراعه المفتوح.
وحتى مع التسليم بأن الرئيس الأميركي الجديد جورج بوش ليس حليفا أو حتى صديقا متعاطفا مع الشعب الفلسطيني وحقه في الاستقلال، فليس بيل كلينتون عدواً أو خصماً لإسرائيل أو صاحب موقف محايد ليقاتل حتى اللحظة الأخيرة من أجل تمرير اقتراحاته تقديرا لنضال الشعب الفلسطيني وحقه في دولة عاصمتها القدس الشرقية كاملة غير منقوصة.
في أي حال، ليس أغرب من لقاء غير ذي موضوع كاجتماع اللجنة العربية في القاهرة إلا لقاء الساعات الأخيرة في البيت الأبيض في واشنطن حيث المشهد صريح تماما: كلينتون يفاوض باسم الإسرائيليين بينما عرفات يفاوض بعيدا عن العرب ومستقلاً عنهم وعن انتفاضة شعبه العظيم!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان