في مثل هذا اليوم من العام 1982 تم اغتيال رئيس الجمهورية المنتخب قبل ثلاثة اسابيع فقط (في 23 آب) المغفور له الشيخ بشير الجميل..
كان لبنان تحت الاحتلال الإسرائيلي، وكانت دباباته وقوافل جنده تملأ جنبات بيروت، وكان جيشه قد اخضع بالقوة أكثر من نصف مساحة لبنان.
أجريت الانتخابات في ثكنة عسكرية تطوقها الدبابات الإسرائيلية..
وجيء بالنواب بمختلف وسائل الاقناع ..
كانت الدولة في حالة انهيار، وكان الشعب منقسماً، والجيش مفككاً، فضلاً عن ضعفه ووجوده في أسر الاحتلال… وقد استغل المحتل الإسرائيلي الانقسام ليأتي برئيس كان يفترض انه قد سبق له ان تفاهم معه، وكان يعتد بأنه قد ضمن ولاءه، وبالتالي فقد ضمن الهيمنة على القرار في الجمهورية اللبنانية .
بعد 22 يوماً من انتخاب الشيخ بشير الجميل أودى به انفجار قاتل، ليدخل لبنان مرحلة دموية جديدة كان بين عناوينها مجازر صبرا وشاتيلا، التي يحتفل الفلسطينيون واللبنانيون ومعهم بعض احرار الدنيا بذكراها الخامسة والعشرين، هذه الأيام..
نفذت المجازر، التي حاول البعض تفسيرها بطريقة مهينة للشيخ بشير الجميل، إذ قالوا انها جرت انتقاماً لدمه المهدور… لكن هذا التفسير الذي لا يقبله عقل يفضح طبيعة الزمر التي نفذتها ممن أعماهم التعصب بل العنصرية، باشراف جيش الاحتلال الذي وفر لهم التسهيلات كافة، بما في ذلك الاضاءة بكشافاته، وهي قد استمرت ثلاثة أيام بلياليها..
بعد أسبوع من اغتيال الشيخ بشير، وتحت وقع الصدمة، وفي محاولة لانقاذ ما يمكن انقاذه، والخوف على مصير الجمهورية انتخب شقيقه الشيخ أمين الجميل رئيساً… باعتباره يمثل الاعتدال، أي نقيض التطرف الذي مثله شقيقه المغدور.
لكن عهد الرئيس البديل، الذي انتخب هو الآخر بحماية الدبابات الإسرائيلية، بدأ بالغلط وانتهى بعد ست سنوات بالخطيئة..
كان عنوان العهد الجديد اتفاق 17 أيار ,1983 مع الاحتلال الإسرائيلي، وكان ذلك سبباً مباشراً لتوترات في الداخل، ومع سوريا، سرعان ما حولها خطأ الانفراد بالقرار إلى مسلسل من الحروب الأهلية، ما تكاد تهدأ حتى يفجرها التسرع أو التفرد أو التراجع المباغت.
يمكن ان يقال باختصار ان الشرخ الذي ضرب الوحدة الوطنية ثم أدى إلى تمزيقها قد تسبب في اغتيال رئيس للجمهورية تحت الاحتلال..
ويمكن ان يقال، أيضاً، ان رئيساً منتخباً بالاضطرار، وفي لحظة قدرية لا تسمح بالتأخير، قد تسبب في تفجر حروب أهلية عديدة لم تتوقف مع انتهاء ولايته… بل ان محاولاته اليائسة لتمديد ولايته والتي تسببت في تعطيل انعقاد المجلس النيابي لانتخاب بديل، وتعهده بتقديم التنازلات، مفتوحة أمام صاحب الصوت المرجح، آنذاك، وكان قد صار السوري ، قد جعلته يترك الجمهورية بلا رئيس، مما جعلها في مهب التفجرات المتوالية التي قسمت البلاد كانتونات، وجعلت في كل كانتون حرباً بين أهله ، برغم أو ربما بسبب وحدة اللون الطائفي!
أي ان الحرب الأهلية قد اغتالت رئيساً للجمهورية، ولا يهم كثيراً تحديد اليد المنفذة طالما ان الظروف الموضوعية كانت تسمح بذلك..
.. في حين ان اخطاء الرئيس الخلف أو البديل وخطاياه، واخطرها تعطيل المؤسسات الدستورية، ثم التسبب في تقسيم الجيش وإدارات الدولة قد دفعت بالبلاد مجدداً إلى مسلسل من الحروب الأهلية التي لما تتوقف تداعياتها باهظة الكلفة.
لماذا هذا التذكير ببعض المآسي التي تسبب بها الحَوَل السياسي أو الرغبة في الهيمنة، ودائماً بتجاوز الدستور وثوابت العرف التي توافق عليها اللبنانيون بوصفها حماية لكيانهم؟!
لأن هناك من نسي، وهناك من تناسى، وهناك من يريد ان ينسى أو يتناسى..
أما التاريخ فهو سجل لا يغفل أحداً أو أمراً،. وان اختلفت القرارات.
لقد انتهى بعض فصول تلك المحنة، في الماضي، بمؤتمر الطائف والدستور الذي أعيدت صياغته ليتلاءم مع الوقائع الجديدة في أحوال لبنان..
على ان التذكير له وظيفة راهنة مباشرة: فالرئاسة قد تكون ضمانة لاستمرارية الدولة واستقرار أحوال الجمهورية وبالتالي الكيان، وقد تكون مصدر الخطر على ذلك جميعاً.
وليس وارداً ان نضحي بالجمهورية من أجل رئيس… خصوصاً وان المرشحين، بارك الله، كثر، والفروقات بينهم، على أهميتها، أقل خطورة من ان نضحي بالجمهورية والكيان وشعبه من أجل أي منهم..
ولا نحسبن ان ثمة من يريد ان يكون رئيساً ولا جمهورية!
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان