لعله بقي لقاء في منتصف الطريق، بين دمشق وواشنطن، وعبر عن الرغبة المتبادلة بالالتقاء في ذلك الموقع الوسط.. الحيادي.
ومثلما تقدم كل من الرئيس السوري حافظ الأسد والرئيس الأميركي بيل كلينتون، خطوة نحو الآخر، في مجال العلاقات الثنائية، بينهما وبين بلديهما، فإنهما تقدما خطوات واسعة نحو دفع عملية التسوية العربية – الإسرائيلية إلى الأمام.. بالعمل معاً.. وبالتوافق… بانتظار رد الفعل الإسرائيلي الذي كانت ملامحه الأولى غير مشجعة.
لكن من قال إن أحداً كان يتوقع أن يكون هذا الرد إيجابياً؟!.. لأن اللقاء على ضفاف بحيرة جنيف، يعبر بحد ذاته، عن مسافة ما، قد لا تكون كبيرة، بين واشنطن التي سلمت لسوريا والرئيس الأسد بالكثير، قبل أن تصل إليه، وبين تل أبيب بالتي لا تريد أن تسلم لدمشق بما تريده.
مهما يكن، فإن ما عبر عنه الرئيس الأسد، وأيده وأثنى عليه الرئيس كلينتون في المؤتمر الصحافي، لا يدع مجالاً للشك بأن البلدين حققا نقلة نوعية في مجالي التسوية والعلاقات الثنائية.
ففي المجالين ، جرى الإعلان عن خطوات عملية: لجنة ثنائية برئاسة وزيري الخارجية لبحث العلاقات الثنائية. واستئناف مفاوضات التسوية الأسبوع المقبل في واشنطن.
ماذا جرى في اللقاء
قبل الدخول في تفاصيل النتائج، لا بد من التوقف قليلاً عند ما جرى في اللقاء الذي امتد خمس ساعات ونصف الساعة، تخللته استراحة قصيرة، وكان الجزء الأخير منه (ساعة ونصف الساعة) منفرداً بين الرئيسين لوحدهما والمترجمين.
بدأ الرئيس كلينتون اللقاء بعرض حصيثلة جولته الأوروبية الأولى من نوعها له، مع توقف عند كل المحطات التي شملتها: بروكسل (قمة حلف شمالي الأطلسي)، براغ (قمة مع رؤساء دول تشيكيا، سلوفاكيا، بولندا، المجر)، كييف (لقاء مع الرئيس الأوكراني ليونيد كرافتشوك)، موسكو (القمة مع الرئيس الروسي بوريس يلتسين)، مينسك (اللقاء مع رئيس روسيا البيضاء ستانيسلاف شوشكيفيتش).
وعندما كان كلينتون يعرض للوضع الدولي، سأل الرئيس الأسد تحديداً عن حلف شمالي الأطلسي، مبدياً استغرابه لاستمرار الحلف، في الوقت الذي زال الهدف الذي أنشئ من أجله (انهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط حلف وارسو)، وأشار في هذا السياق إلى أن دول العالم الثالث تشعر بأنها يمكن أن تكون الهدف لحلف شمالي الأطلسي في المستقبل. فرد كلينتون مدافعاً عن الحلف، ومشيراً إلى الحاجة إلى تعديل أهدافه.
ثم تحدث الأسد، عن الوضع في المنطقة، وقدم عرضاً مفصلاً لأبرز همومه، وامتد هذا العرض ليشمل كلا من تركيا، إيران (التي توقف عندها مطولاً)، العراق، مع التركيز طبعاً على المواضيع الأساسية، المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ومفاوضات التسوية منذ مؤتمر مدريد وحتى اليوم، مروراً طبعاً باتفاق غزة – أريحا، وما يواجهه من مشكلات.
وألح الرئيس الأسد بشكل خاص على الوضع في جنوبي لبنان، وعلى ضرورة تنفيذ القرار 425، والترابط بينه وبين الحل المفترض في الجولان، فرد كلينتون بما يوحي بأن هناك تسليماً أميركياً بأن المسار السوري واللبناني في المفاوضات الثنائية مع إسرئايل هما مار واحد. وجاء كلام كلينتون في المؤتمر الصحافي لاحقاً ليؤكد ذلك.
وشدد الرئيس الأسد على أن السلام تصنعه الشعوب وليس الأفراد، وقال لمحدثه أنه لا يمكنه هو شخصياً أن يصنع سلاماً لا يوافق عليه الشعب السوري، وهو ما ينطبق أيضاً على الحكم في لبنان والشعب اللبناني، لذلك لا بد إأن يكون السلام مقبولاً من الشعوب، لكي يكون دائماً، ولكي يكون دائماً يجب أن يكون عادلاً وشاملاً.
وركز الاسد خصوصاً على شمولية الحل على جميع الجبهات، بما فيها الأردن، وقال أن الأمر ليس مجرد تعدد زوجات، لأن الجميع بالنسبة إلينا واحد أيضاً.
وانتقل بعد ذلك إلى العلاقات الثانية فاستهل الأسد كلامه بالقول أن الجانب السوري لا ينظر إلى المحادثات كعملية بيع سيارات مستعملة، بل يهمه القول أنه يجري التأسيس لعلاقات واضحة ومحددة وتخدم مصالح الشعبين.
وأشار الأسد إلى أن الإساءات التي كانت توجه إلى العلاقات الثنائية كانت تأتي من أولئك الذين كانوا يعدون بتطويرها، وأعطى مثالاً على ذلك وزير الخارجية الأميركية الأسبق هنري كيسنجر والمبعوث الرئاسي الأميركي السابق فيليب حبيب…
وروى الأسد خلال الحديث واقعة مفادها أن كيسنجر كان في دمشق مرة (في منتصف السبعينيات) ووعد بإزالة الغيوم من سماء العلاقات الثنائية.. ومن دمشق سافر إلى أميركا اللاتينية، رافضاً متابعة هذا الملف، الذي كان قد فتح لتوه.
وهنا علق كلينتون مازحاً: أنا ذاهب قريباً إلى أميركا اللاتينية، وأرجو ألا تعتبر أني أتهرب من متابعة هذا الملف أيضاً. ثم تابع قائلاً أنه لا يريد أن تجري محاسبة إدارته على أخطاء الإدارات السابقة، وأكد أن لدى إدارته نية لإقامة علاقات جيدة، ولفتح صفحة جديدة في هذا المجال.
وكان الأسد قد بادر إلى إثارة موضوع الإرهاب، الذي لم يطرحه كلينتون بشكل مباشر، وقال إنه لا يجدر أن تتهم الشعوب التي تقاوم الاحتلال بالإرهاب، كما لم يكن يجوز اتهام الشعب الأميركي بالإرهاب عندما كان يقاوم الاحتلال البريطاني.
وقالت مصادر مطلعة أن العلاقات الثنائية ستشهد نتيجة اللقاء، واللجنة الوزارية، دفعاً قوياً، وأشارت إلى أن الأسد كان صريحاً وحاداً في عرضه لهذا الملف، الذي يبدو أنه بات في طريقه إلى الحسم.
وأشارت المصادر إلى أن الرئيس الأسد هو الذي اقترح في نهاية الجزء الأول من المحادثات، لقاء منفرداً مع كلينتون، عندما خاطبه بالقول “أتمنى أن يسمح وقتك ببضع دقائق”.. وامتد اللقاء بينهما حوالي ساعة ونصف الساعة.
وكانت القمة قد بدأت عند العاشرة والنصف صباحاً، بتوقيت جنيف، وحضرها عن الجانب السوري وزير الخارجية فاروق الشرع، مدير مكتب الأمن القومي الدكتور عبد الرؤوف الكسم، رئيس الوفد المفاوض مع إسرائيل موفق العلاف، السفير لدى واشنطن وليد المعلم، ومترجمة، كما شارك فيها عن الجانب الأميركي مستشار الأمن القومي أنطوني لايك، وزير الخارجية وارن كريستوفر، منسق المفاوضات العربية – الإسرائيلية دنيس روس، مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي مارتن أنديك، (وقد سافر ليلاً إلى تل أبيب لإطلاع المسؤولين الإسرائيليين على نتائج القمة)، بالإضافة إلى السفير لدى دمشق كريستوفر روس.
وبعد اللقاء الموسع الذي امتد نحو أربع ساعات، انتقل أعضاء الوفدين إلى قاعة المؤتمر الصحافي، لينتظروا أكثر من ساعتين نهاية اللقاء المنفرد، بين الرئيسين، اللذين عرضا نتائج القمة ورداً على أسئلة الصحافيين.
وكان أبرز ما قاله الرئيس الأسد الذي افتتح المؤتمر الصحافي “أن السلام المنفرد والحلول الجزئية لم تستطع أن تؤمن قيام السلام الحقيقي في المنطقة”، وأعلن عن اتفاق على “العمل معاً من أجل إنجاح الجهود الرامية لوضع حد للصراع العربي – الإسرائيلي”. وقال “إن سوريا تسعى إلى السلام العادل والشامل مع إسرائيل كخيار استراتيجي يكفل الحقوق العربية وينهي الاحتلال الإسرائيلي…” أضاف “لقد حاربنا بشرف ونفاوض بشرف ونسالم بشرف… نريد سلام الشجعان..”
كريستوفر
خلال اللقاء المنفرد بين الرئيسين الأسد وكلينتون، أجرت شبكة التلفيزون الأميركية حواراً مع الوزير وارن كريستوفر، الذي قام بإبلاغ رئيس الحكومة رفيق الحريري هاتفياً بنتائج القمة، (قال الحريري إن الوزير الأميركي أكد له أن مسألة لبنان أثيرت مطولاً خلال القمة، وعبّر رئيس الحكومة عن تفاؤله في هذا المجال، وأشاد بمواقف الرئيس الأسد باعتبارها تعيد التوازن إلى مسار التسوية وتفتح صفحة جديدة نعول عليها للوصول إلى السلام العادل والشامل والدائم).
وقال كريستوفر في حديثه التلفزيوني “من الواضح أن الرئيس الأسد يلعب دوراً مهماً في عملية السلام في الشرق الأوسط، وسوريا هي مفتاح لهذه العملية. ولذلك رأى الرئيس كلينتون أن يغتنم هذه الفرصة للاجتماع به، وهو (كلينتون) اجتمع بجميع قادة الدول الأخرى. وجرى لقاء جيد حتى الآن. والاجتماع مستمر منذ أربع ساعات، وأنا أقول إنها كانت جلسة بناءة، وانتهى للتو الاجتماع (الموسع) لكي يجتمعا بمفردهما.
وقيل له: الاجتماع بالرئيس الأسد قوبل ببعض الانتقادات، وسوريا موضوعة على قائمة الدول التي ترعى الإرهاب منذ 15سنة. هل ناقشتم موضوع الإرهاب؟ فقال: الرئيس كلينتون بالتأكيد أثار ذلك مع الرئيس الأسد. ونوقش ذلك لوقت طويل”.
وسئل: هل أثيرت مسألة طائرة ألبان أم… فقال لقد تمت مناقشة ذلك”.
وسئل: ماذا عن وجود 40 ألف جندي سوري في لبنان، هل أثير هذا؟ فقال: “نوقش لبنان، وخلال فترة 4 ساعات لم تكن هناك أشياء كثيرة في العلاقات الدولية، أو العلاقات الإقليمية، أو العلاقات الثنائية لم تتم مناقشتها”.
وسئل : ماذا يمكن لأميركا أن تفعله في حال التوصل إلى اتفاق سلام وهل يمكن أن تنشر قوات أميركية في الجولان؟ فرد بقوله: قلنا في السابق، إننا سنساعد في تطبيق مثل هذا النوع من الاتفاق، إذا طلب منا الطرفين أن نفعل ذلك، يمكن أن تكون هناك إجراءات أمنية خاصة على مرتفعات الجولان. ولكننا لم نصل إلى هذا الحد في المناقشات حتى الآن. ولكن الولايات المتحدة قالت في السابق، الغدارة السابقة قالت، ونحن أكدنا ذلك، إنه إذا كان ذلك مفتاح الوصول إلى السلام بين البلدين، فإننا سنكون مستعدين لمناقشة مشاركتنا.
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان