يسعدني، بداية، أن اكون معكم هنا، في ضهور الصرفند، نحن الذي وجهتنا الجنوب، وجنوب الجنوب من قبل ومن بعد، بوصفها طريق التحرير والطريق ايضاً إلى التحرير الاعظم في فلسطين.. التي لها موقع القلب في بلاد ما بين الوعدين، كما أطلق عليها اصحاب الدعوة الكريمة لهذا اللقاء.
ويشرفني أن تكون فلسطين بالذات موضوع الحديث، وهي درة الوطن العربي وعنوان نضاله، وعلامة انكساره طالما ظلت محتلة يحاول الاسرائيليون الذين جمعتهم عنصريتهم، تحت رعاية الامبريالية، مسحها عن الخريطة ومن الذاكرة لتقيم محلها دولتهم المزعومة التي ليس لها أي ذكر في التاريخ، وان كانت تحتل العديد من الاساطير والخرافات.
أيها الاصدقاء،
ليس العنوان من صياغتي وان كان الموضوع بالذات قضيتنا المقدسة جرحنا المفتوح.
وعلينا الاعتراف اننا لم ندرك، في البدايات، أي في اعقاب الحرب العالمية الأولى ثم في الحقبة بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، خطورة المشروع الاسرائيلي الذي سبقه وبشر به وعد بلفور وسعي الاستعمار البريطاني لتثبيته على ارض الواقع خلال فترة انتدابه التي حفلت بالانتفاضات الشعبية الفلسطينية بعنوان ثورة 1936 وابطالها المخلدين.
وكلنا يذكر أن الحرب الاسرائيلية الاولى لاحتلال فلسطين قد شنت في العام 1948، بعد معارك متنقلة خلال الاعوام السابقة، وليس في البلاد العربية المحيطة بفلسطين جيش يستحق هذه التسمية.. وربما لهذا ترك العديد من المناضلين السوريين الجيش الرسمي وذهبوا إلى الجبهة كمتطوعين.. ولم تستطع الجمهورية اللبنانية الوليدة أن توفد اكثر من خمسمائة جندي وقفوا كحرس لحدود لبنان من غير أن يدخلوا فلسطين.. اما شرقي الاردن فكان يحكمه الامير عبدالله ابن الشريف حسين الهاشمي، وكان ينتظر الهزيمة في فلسطين لينال جائزته :الضفة الغربية من نهر الاردن بما يمكنه من تحويل امارته إلى مملكة على حساب فلسطين، وبلحمها.
أما مصر الملك فاروق فقد اوفدت كتيبة واحدة، كان بين رجالها البطل احمد عبد العزيز (الذي استشهد في الفلوجة) وجمال عبد الناصر وقلة من رفاقه الذين حوصروا في الفلوجة، فلم يستسلموا واستمروا يقاومون حتى فرضت الهدنة فغادروا إلى بلادهم مرفوعي الرؤوس وقد وعوا أن عدوهم الاول يتمثل بنظامهم ولا بد من اسقاطه اولاً قبل مباشرة المعركة لتحرير فلسطين.
أيها الاصدقاء،
من البديهي أن نرفض ضياع فلسطين.
فلسطين ليست بعض ماضينا الذي انقضى، بل هي عنوان مستقبلنا الذي من دونها لن يكون..
فان نحن لم نهزم المشروع الاستيطاني الاستعماري الاسرائيلي لن يكون لنا مستقبل.
عنوان مستقبلنا فلسطين، فان نحن سلمنا بفقدها فقدناه معها، بل قبلها، وواقعنا العربي شاهد على هذا الأمر.
لذلك فان اسرائيل تقاتل أي شعب عربي يقاتل من اجل فلسطين، ويفكر بفلسطين فلا ينساها يوماً..
وها هي قوات العدو الاسرائيلي تقتل شعب فلسطين كل يوم، وان كان يوم الجمعة من كل اسبوع هو اليوم الأغنى بدماء الشهداء والجرحى..
مع ذلك، وبالرغم من ذلك، فيوم الجمعة التالي يكون الحشد أعظم، وتبتكر وسائل جديدة لاستعمال الحجر المقدس منها استحداث ما يشبه المظلة التي تحمل الحجر لتلقيه حيث جنود العدو مباشرة وليس من خلف السور المكهرب بحيث لا يطال هدفه.
أيها الاصدقاء،
سأروي لكم، هنا، حكاية تؤكد أن الاصل هو الموقف، والباقي تفاصيل.
تقول الحكاية وهي صادقة، وقد شهدت وقائعها ومعي العديد من الاصدقاء وكلهم شاهد عدل.
ذات محاولة من محاولات العقيد الراحل معمر القذافي لتقديم نفسه كمفكر كبير ومؤرخ، أصدر كتاباً بعنوان “اسراطين” ساوى فيه بين اليهود والمسيحيين، وتعامل فيه مع السيد المسيح على انه واحد من اليهود، منكراً رسالته السماوية التي شهد بها القرآن الكريم.
كانت وفود الحركة الوطنية لا تنقطع عن زيارة ليبيا القذافي التي وفرت لها خلال الحرب الاهلية الدهر مقومات الصمود: السلاح والذخيرة والدعم المالي.
بعد صدور الكتاب، دعا القذافي إلى نقاش فكري موضوعه كتابه الجديد.
وحاول الحضور من اركان الحركة الوطنية مجاملة القذافي، من دون الدخول إلى مناقشة موضوعه..
وعندما وصل الدور إلى المرحوم الدكتور عبدالله سعاده، قال: اسمح لي يا اخ معمر طالما انك مُصر على معرفة رأيي أن اقول لك بصراحة الصديق رأيي المتواضع: نحن نشهد يا اخ معمر انك قد دعمتنا دائماً.. فمالنا منك، وسلاحنا منك، ونحن نأتي ضيوفاً مكرمين ونلقى منكم كل ترحيب. وهذه شهادة حق.
توقف الدكتور عبدالله سعاده لحظات قبل أن يضيف فيقول:أما بخصوص كتابك الاخير هذا فلن اجاملك ولن انافقك، بل سأقول رأيي صريحاً: اسحب هذا الكتاب من السوق فوراً، وأحرقه، فعار أن يحمل هذا الكتاب اسمك… انها فلسطين، يا أخ معمر، فما هكذا يتم الحديث عنها.
ذُهل القذافي، وأخفى كثير من الموجودين وجوههم، في حين استأنف الدكتور عبدالله سعاده كلامه قائلاً: انا ازعم، يا اخ معمر، انك لا تعرف ما يكفي عن اليهود ولا عن المسيحيين..
..وازعم انني اعرف الاسلام افضل مما تعرفه، فانا احفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، كما احفظ الانجيل ، كما احفظ التوراة..
التفت الدكتور سعاده إلى الحضور قبل أن يضيف فيقول: لهذا كله اكرر فأقول: اسحب هذا الكتاب فوراً واحرقه ولا تتركه بين ايدي الناس سبة لك وعار عليك.. وعد إلى فلسطيننا التي لا بد سنحررها ولو بعد ألف عام.
تفصد جبين معمر القذافي عرقاً، في حين خجل العديد من الحضور من انفسهم.. وانتهت الجلسة التي شهدت هذا الحوار الشجاع بصراحته، وغادر الجميع مطأطئي الرؤوس الا الدكتور عبدالله سعاده فقد تناول عصاه وغادر المقر مرفوع الرأس.
*****
أيها الأصدقاء،
رويت هذه الحادثة كشهادة في حق رجل عظيم، من بين الكبار في الحزب السوري القومي الاجتماعي الذين غيبتهم الايام عن دنيانا.
ولكم نتمنى أن يلد مجتمعنا مثل هذا العظيم من بلادي.
وطالما اننا استذكرنا بعض العظماء من بلادنا فلا بد من استحضار الشهيد معروف سعد وعائلته التي واكبته على طريق الشهادة فقدمت الشهيد مصطفى معروف سعد وبعض اسرته.. فتحية لهم جميعاً ولحامل الراية الدكتور اسامة معروف سعد الذي يعيد صيدا إلى تاريخها النضالي، وطنياً وقومياً، ويرفع الراية الوطنية القومية التي لن تنكسر طالما ظل هذا الشعب، بعنوان اهل الشهداء والمناضلين من أبناء الجنوب، يتصدرون مسيرة النضال الوطني والقومي، والقبلة دائماً فلسطين.
وأختم بشكر “بلاد ما بين الوعدين” “السوريين القوميين الاجتماعيين” في الصرفند والزهراني.. مع خالص تقديري لكل من جاء إلى هذه الندوة وشرفني بحضوره.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
كلمة القيت في المحاضرة الفكرية “نرفض ضياع فلسطين” لمناسبة الذكرى المئوية لوعد بلفور والتي نظمها السوريون القوميون الاجتماعيون في الصرفند والزهراني بتاريخ 9 تشرين الثاني 2018.