إحدى معضلات الخطاب النقدي العربي.. هي بكائيته! فلا أحد »فينا«، نحن الذين نصنف أنفسنا بأننا أهل الرأي والكلمة والموقف، الا ويجد نفسه أسير هذه البكائية كوسيلة وحيدة للاحتجاج على القمع والعزل والتخوين، وأحيانù القتل، الذي تمارسه الأجهزة الرسمية ضد فئات من شعوبها في العديد من الدول العربية.
نموذج صدام حسين لا يحتاج الى حديث! لكن ما يعيد ذكره هذه المرة، هو الموقف الذي اتخذه ضد شاعرين عراقيين كبيرين هما بين الأبرز في العالم العربي، محمد مهدي الجواهري وعبد الوهاب البياتي، وضد أحد الصحافيين العراقيين المعروفين سعد البزاز، معتبرù اياهم »خونة« بسبب مشاركتهم في مهرجان ثقافي في دولة عربية أخرى هي السعودية.
هكذا »يشطب« النظام العراقي بكلمة أكبر شاعر عراقي كلاسيكي معاصر هو أحد مؤسسي العراق ثقافيù، منذ العشرينات، الجواهري، وأكبر الشعراء المخضرمين العراقيين والاحياء عبد الوهاب البياتي، الاسم اللامع منذ الخمسينات في حركة التجديد الشعري العربية، واحد أفضل الصحافيين المتنورين الذين انجبتهم تجربة الصحافة العراقية، على كل ظروفها الصعبة في العقود الثلاثة الأخيرة.. سعد البزاز.
من السهل ادانة النظام العراقي. ليس هذا هو الجديد، ولكن ما تثيره هذه المناسبة من تأمل في حالة المثقفين العرب في العديد من الدول، بما يتجاوز الاشكالية التقليدية لثنائية السلطة المثقف، الى اشكالية أعمق تتعلق بالاضطهاد المتعدد الأشكال الذي تتعرض له النخب العربية الثقافية والاعلامية وأحيانù على يد بعضها البعض، كما يحدث في الجزائر عبر المذبحة التي طالت 35 صحافيù حتى الآن على أيدي من يُفترض أنها الجماعات الأصولية المسلحة.. وهذه الأخيرة يجب أيضù ذكر ما تتعرض له كادراتها من قمع أجهزة الأمن الجزائرية بما ليس متاحù رصده بالأرقام.. او كما حدث في مصر مع فرج فوده، ثم حفظه الله مع نجيب محفوظ، وبطريقة ما مع يوسف شاهين.. لو لم تتحرك مؤسسة القضاء المصرية العريقة لتضع نهاية سعيدة لقضية فيلم »المهاجر«.. او مع ما تعرض له أدونيس على أيدي مؤسسة ثقافية هي إتحاد الكتّاب..
التاريخ اللاديموقراطي للمنطقة تحت شعارات مختلفة هو تاريخ طويل في العقود الأخيرة.. لكن موسم التنكيل بالمثقفين، وتحديدù بأسماء بارزة جدù في العديد من المجالات الثقافية الفنية يبدو الآن وكأنه الموسم السائد..
فأي أمة، هي التي تنكّل ببعض أفضل مبدعيها؟
لسنا من دعاة ثنائية الطيب والشرير الساذجة. فجميعنا في ساحة الأتهام عند محاكمة هذه الحالة.. لأن بنية الحياة العامة العربية هي المطروحة على بساط التأمل.. والتأمل العميق.
»السفير«
بحث
Subscribe to Updates
Get the latest creative news from FooBar about art, design and business.
المقالات ذات الصلة
© 2024 جميع الحقوق محفوظة – طلال سلمان