في ذكرى محاولة اغتيال الصحافي طلال سلمان في 14 تموز1984
كنت أخشى أن يشارف العام على الانتهاء و تأتي لحظة الذكرى…
كادت الدموع تجفّ في داخلي
ظننت أنها انتهت
منزلقة للمرة الأخيرة من أطراف عينيّ..
نحو فراغ الفراق
أو للانضمام إلى لحظات ضمّك لنا مجددا بعد غياب الغربة…
أو غيابك في المدينة الأم
بينما ننتظر حضورك، أو إلى حين تسمح لنا بأن نعود اليك
إلى بيروت المحتربة التي غطّتك تحت غبار القذائف
بين أزقة المتاريس
وغطيّتها أنت بجوانح الحبر المنقوش على الورق…
لتصرخ كلماتك ثم انطباعاتك ثم مرادفات طباعك
و ومبادئك… صوت مَن حُرم من النطق بالألم السياسي
ملابسك تحمل ثقوبا صغيرة
و رائحة بارود الميليشيات
وبقايا العيش المرير
في أعقاب خطف حياة أرواح الضحايا
ضحايا اختلاف رأي أعداء البارود عن آراء حاملي البنادق
وسط ضوضاء الفنادق الممتلئة بصحافيي الغرب
بينما تلك السفن تقف مقابل شواطئ بيروت
كما تحتل اليوم مياه فلسطين شواطئها، برها وجوّها
و القصف المدفعي يلغي الأصوات كلّها
و تبقى كلمتك تسطع إلى جانب القهوة الصباحية
تأتي إلى باب كل مباني الحمرا و رأس بيروت
حتى تبلغ المزرعة و الضواحي
خطوط التماس و الموانئ
ثم المطار قبل أن تصل لأيدينا باهتة
بعد رحلة تستغرق بعض أيام….
كانت تتناقل من قارئ إلى الآخر
كلمات الحقيقة من حبر الوطن
عطراً لعيون المغتربين و المهاجرين معاً
دون تمييز الدين أو القناعة
كاشفة الأوجه المختبئة خلف الأقنعة
ووراء سبطانات عنصرية الوطن على الوطن.
***
يكاد يأتي موعد الذكرى
موعد المرض و العمر
الدهر و القهر
موعد كشف مصدر الخيبة
من دمشق إلى بغداد
من مصر الى تونس
من فلسطين إلى ليبيا
وما زالت يدك مستمرة بإطعام فضول الصحافة
واسباب الانهيارات و والمعارك
على أيدي سيّاد السلاح و تجار الموت
معصيين من قانون لغوه ليلازموا اعتلاء المنابر
والحفاظ على الأبنية و الأموال و القنابل
دافنين الوطن و المواطن معاً
يرمون بعضهم البعض بأصابع الاتهامات
دون السماح للحق يأخذ دوره
تجاههم، بل أعلنوا البحث بعبث
موجه إلى الكرسي المجهول
بدلا من أجساد العساكر….
***
يكاد اليوم الأول بعد السنة أن يحلّ
وكرسي مكتبك مازال فارغا
وتوقيعك نسيج من كلمات الناس بصرخة الأسود الناعي
على بياض اوراق، الأوراق الأخيرة للحرية و الحقائق
تاجاً من الخيط الشائك مدينا المنبر الشاتم
ومجالس المذنب على رأس المتابع
وقاعات اجتماعات اللجان على دستورٍ زائف….
***
يكاد يوم ذكرى ثورتك التي سادت لسنتين بعد الأربعين
من منبر درويش و كنفاني و ناجي
وطلة طلال و القضية و الجنوب
تذهب لتحضّر لك سجّاد الورد و الدحنون
وأغصان الزيتون
لتنير شموع السابقين، و شهداء الموت الجاحد
ليضموك إليهم بعناق ثابت
وتخسر أيدينا صخرتنا الراسخة
ومرساة سفينة التاريخ المثبت
عن طريق فتحتها ولم تحد عنها
ولم تغادرها إلا حين رحلت
باقياً كما كنت
معلماً و أباً و بطلاً
لنا كلنا
ما زلت انت كلنا
و ما زال نبض اسمك فينا
موشوما
اشتقنا لك يا ابي،
العائلة كما أسرة الصحافة ،
الأحفاد كما أبناء المهنة ،
لكنه موحش دونك
أصبح الزمن….
يكاد اليوم أن يحل…
وللمرّة الأولى سيكون
ذكرى